الاثنين، 6 أبريل 2020

شرح: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله ليَ الوسيلة ... ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم

[صحيح] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول المؤذن ).
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
-      هذا الحديث صحيح في غاية الصحة.
-      ( إذا سمعتم المؤذن ): إذن هذا الحكم معلق على سماع المؤذن، وهذا يشمل كل مؤذن.
وهذا يكون عندما يسمع المسلم المؤذن الذي يؤذن للصلاة بالسماع المعتاد لا في المذياع مثلا إذا كان الأذان لغير بلدك، فلا يدخل في الحديث وإن قال بعض أهل العلم أنه يجاب لأنه ذكر ولأنه سمع المؤذن، لكن القاعدة: النصوص تُحمل على ما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتُحمل على المعتاد.

-      ( فقولوا مثل ما يقول المؤذن ): فيه مشروعية أن يقول الإنسان مثل ما يقول المؤذن.
-      وإجابة المؤذن عند الجمهور ليست واجبة، بل مستحبة، والأمر الوراد في الأحاديث إنما هو للاستحباب، والصارف من الوجوب إلى الاستحباب:
1-         أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنًا فلمّا كبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( على الفطرة )، فلما تشهد قال: ( خرجت من النار )، والحديث عند مسلم، ووجه الدلالة أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّد معه، ولو كانت الإجابة للمؤذن واجبةً لأجابه النبي صلى الله عليه وسلم.
2-         أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: ( وأنا، وأنا )، ولذلك ذهب بعض أهل العلم أنه من السنة أحيانا إذا سمع المسلم النداء أن يقول: "وأنا وأنا" عند التشهد.
3-         الأمر الثالث: ما رواه مالك في الموطأ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَر، - أي أنهم يصلون ما كتب الله لهم أن يصلوا -. فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ، قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ، أَنْصَتْنَا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ.
وجه الدلالة: أنه إذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون تحدثوا فيما بينهم، وما دام أنهم يتحدثون فمعناه أنهم لا يجيبون المؤذن، لأن الذي يُـجِيب المؤذن ليس عنده وقت ليتحدث أثناء الأذان، فمعنى ذلك أنهم كانوا لا يجيبون الأذان في زمن عمر رضي الله عنه ولم يُنْكَر عليهم فدل على الإجابة ليست واجبة.
4-         ومما استدل به بعض أهل العلم على أن الإجابة مستحبة ما جاء في حديث مالك بن الحُوَيْرِث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاة، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ولْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ) متفق عليه، وجه الدلالة: قالوا: المقام مقام تعليم، ولو كانت إجابة المؤذن واجبة لقال: فليؤذن لكم أحدكم وليُجِب الآخر، فلما بم بأمرهم بالإجابة دل ذلك على أن الإجابة مستحبة.
وهذا الظاهر والله أعلم، أن إجابة المؤذن مستحبة، من فعلها نال الفضل العظيم ومن تركها لا يأثم.

-      ظاهر هذا أن الإنسان يقول مثل ما يقول المؤذن في الأذان كله، لكن هذا مخصوص، فإنه يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحَيْعَلَتَين على الراجح ويجيبه بقوله لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعض أهل العلم تمسك بظاهر الحديث وقال تقول مثل ما يقول المؤذن في الأذان كله، حتى عندما يقول "حي على الصلاة" فإنك تقول "حي على الصلاة"، وإذا قال "حي على الفلاح" فإنك تقول "حيّ على الفلاح".
وبعض أهل العلم أراد الجمع بين الأحاديث فقال: يقول "حيّ على الصلاة، لا حول ولا قوة إلا بالله"، لكن هذا الجمع غير مُتَّجِه والله أعلم؛ لأن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مُطْلَق والأحاديث المقيّدة كحديث عمر رضي الله عنه مُقَيَّدة فتُقدم على المطلق، ولم يُجمع فيها بين قوله "حي على الصلاة" و"لا حول ولا قوة إلا بالله".



[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله ليَ الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت له الشفاعة ).
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

-      ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ): فمشروع إذا سمعنا المؤذن أن نقول مثل ما يقول إلا في الحَيْعَلَتَيْن.
-      إذا سمعت أكثر من مؤذن كما هو الواقع اليوم فمن تجيب؟
قال العلماء: إذا سمعهم جميعًا في وقت واحد فإنه يجيب المؤذن الذي يدعوه، أي الذي يؤذن في المسجد الذي يصلي فيه.
فإن سمعهم جميعًا لكن لم يسمعهم في وقت واحد بل كان يسمع هذا تارة وهذا تارة فإنه يردد مع الجميع، مثال: إنسان أذن المؤذن وهو في حيه، وركب سيارته، وهو يسمع مؤذن حيه يؤذن ويقول "الله أكبر الله أكبر" فيقول مثله، ثم تقدم بالسيارة وانقطع أذان الأول فسمع بعض أذان مؤذن آخر وهو يقول "أشهد أن محمدًا رسول الله" فيقول مثله، ثم تقدم بالسيارة وانقطع الأذان، ثم سمع بعض أذان مؤذن آخر فيقول مثله، وهكذا، فلم يسمعهم في وقت واحد، قال العلماء: يردد مع الجميع، كلما سمع أذان المؤذن ردد.
إذا سمع مؤذن حيّه فأجابه ثم بعدما فرغ مؤذن الحي شَرَعَ مؤذن آخر في الأذان فسمعه، فهنا بعض أهل العلم يقولون أنه أيضًا يردد معه؛ لعموم النص، ولأنه ذكر مشروع وُجد سببه، وهو سماع المؤذن.

-      ( ثم صلوا عليّ ): أكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية، وبأي لفظ صلّيت على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يكن فيه مخالفة شرعية حصل المقصود.
فلو قلت: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " حصل المقصود وهذا أكمل، ولو قلت: " صلى الله على محمد " أو " صلى الله على نبينا محمد " أو " صلى الله على النبي الأمي " أو " صلى الله على سيدنا محمد " حَصَلَ المقصود.
-      ويجوز للمسلم أن يقول: " صلى الله على سيدنا محمد " فهو سيدنا وسيد ولد آدم إلا في الصلاة فإنها توقيفية، فلا يجوز أن تقول في الصلاة الإبراهيمية: "اللهم صل على سيدنا محمد"، أما خارج الصلاة فيجوز، فإذا سمعت المؤذن فقلت: " صلى الله على سيدنا محمد " فلا بأس ويجوز.

-      ( من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ): وهذا من فضل الله عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن إكرام الله لمن أكرم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة فقام بحقه وصلى عليه جازاه الله سبحانه وتعالى بأن صلى الله عليه وسلم عليه سبحانه وتعالى عشرًا بل ويزيده أن تُمحى عنه عشر خطيئات وأن يُرفع عشر درجات، وهذا من بركة محمد صلى الله عليه وسلم على أمته.

-      ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل المشروع للمسلم أن يُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موطن من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سمعنا المؤذن وقلنا مثل ما يقول، نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

-      ( ثم سَلُوا الله لِيَ الوَسِيلَة ): الوسيلة هي المنزلة العالية، ولذلك فَسّرها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( فإنها منزلة في الجنة .. ).

-      ( لا تنبغي ) أي لا تليق ولا تكون ولا تحصل.

-      ( إلا لعبد من عباد الله ): وهذه الجملة استدل بها من قال من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، ليس أفضل البشر بل أفضل الخلق لأن الله جعل له هذه الوسيلة ووعده بهذه الوسيلة التي لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، في ذلك المقام العظيم.

-      ( وأرجوا أن أكون أنا هُوَ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت له الشفاعة ):
إذا سمعت المؤذن فقل مثلما يقول؛ فستؤجر على الذكر، وستنال ما سيأتي من فضل إن شاء الله، ثم صل على النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي الله عليك عشرًا، ثم سل الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى تنال بإذن الله تعالى شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

-      في الحديث فوائد: منها: فضل إجابة المؤذن.

-      ومنها: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا وبعد الأذان؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من صلى علي صلاة بعد الأذان، بل قال: (فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ) وهذا مطلق، وأمرنا وأرشدنا وحثنا أن نصلي عليه بعد الأذان.

-      ومنها: فضل سؤال الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه الوسيلة سؤالها للنبي صلى الله عليه وسلم ليس مخصوصًا بالأذان، فمشروع للعبد أن يسأل الله تعالى الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم في أي وقت، لكن آكد ما يكون عند الأذان.

-      وفي الحديث: مشروعية أن يسأل المسلم غيرَه من الصالحين الدعاء له، فهذا ليس من السؤال المنهي عنه.
فلو أن أخاك الذي يحبك وتحبه أراد أن يذهب إلى العمرة فقلت له: "لا تنسنا من صالح دعائك"، أو لو كنت في مرض ولك أخ صالح ترجوا أن يكون من مجابي الدعوة فلا حرج أن تطلب منه أن يدعو لك.
لكن لا يجوز التحريج على الناس، بعض الناس يقول: "أسألك بالله أن تدعو لي ولأمي في كل سجدة تسجدها"، فهذا تحريج، ولا ينبغي ذلك، لكن أن تسأل أخًا صالحا لك ترجوا أن يكون من مجابي الدعوة فهو مشروع لا بأس به.
والنبي صلى الله عليه وسلم طلب من أمته الدعاء له صلى الله عليه وسلم.
والدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم فيه الطلب وفيه العبادة، فالعبد إذا دعا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يثاب من جهة أنه دَعَا ومن جهة أنه دعا للنبي صلى الله عليه وسلم.

-      والشفاعة في اللغة هي: الطلب والدعاء، والشافع: هو الطالب لغيره.

-      والشفاعة لا بد فيها من طلب، والطلب لا بد أن يكون ممن يملك الشفاعة، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لا يملكها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمكلها أحد من الناس وإنما يملكها الله عز وجل، فتُطلب الشفاعة من الله، فلا يقال: "يا رسول الله اشفع لي" وإنما يقال "اللهم شَفِّع في نبيّك محمدًا صلى الله عليه وسلم"، وتُبذل الأسباب لنيل الشفاعة، ومنها: أن تسأل الله للنبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة.

-      والشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا لمن أذن الله ولمن رضي الله عنه، فلا بد من إذن الله للشافع ولا يملك أحد أن يشفع يوم القيامة إلا بإذن الله، ولا بد من رضا الله عن المشفوع له، أو رضا الله بالشفاعة له.
ولذلك يخطئ بعض المؤمنين في سؤالهم الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، فإن هذا خطأ عظيم، وإنما تُسأل الشفاعة من الله عز وجل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان