الجمعة، 27 مارس 2020

شرح حديث: ( يُغفَرُ للمؤذن مُنتهى أذانِه، وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه ) - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم





[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( يُغفَرُ للمؤذن مُنتهى أذانِه، وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه ).
رواه أحمد بإسناد صحيح، والطبراني في "الكبير".

  -      ( يُغفر ): وفي رواية: ( يَغفِرُ اللهُ )، وهذا الموجود في المسند المطبوع.

  -    ( منتهى أذانِه ): قيل: معناه إلى حين انتهاء أذانه، فالله يغفر له منذ أن يقول: الله أكبر إلى أن يقول: لا إله إلا الله.
وقال بعض أهل العلم: بل هذا تقريب، ومعناه: يُغفر له ولو كان ما بين مكانه ومنتهى أذانه مملوءًا ذنوبًا له لغُفرت، يعني لو كان له ذنوب تملأ ما بين مكانه عندما يؤذن وما يبلغه صوتُه من يمين وشمال وأمام وخلف لغفر الله عز وجل له، وهذا يدل على فضيلة الأذان.

-      ( وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه ):
قال بعض أهل العلم: (كل رطب) الذي يكون فيه رطوبة، (ويابس): الجامد.
وقال بعض أهل العلم: (كل رطب) ما فيه روح، (ويابس): ما ليس فيه روح.
سبحان الله، جمع الله للمؤذن أمرين في المغفرة، الله يغفر له، وعباد الله يسألون الله أن يغفر له.
كل رطب ويابس يدعو الله أن يغفر للمؤذن، قال بعض أهل العلم: أي بالقوة وإن لم يحصل بالفعل، فلو فرضنا أن شخصا سمعه وما دعا له، فإنه يحصل له دعاء هذا له.


[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( المؤذنُ يُغفَر له مدى صوتِهِ، ويُصَدِّقُه كلُّ رطْبٍ ويابسٍ ).
رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وعندهما: ( ويشهد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ ).
[صحيح] والنسائي، وزاد فيه: ( وله مثلُ أجرِ من صلّى معه ).
[حسن صحيح] وابن ماجه، وعنده: ( يُغْفَر له مَدَّ صوتِه، ويستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابس ).
[حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: ( المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما.
قال الخطّابي رحمه الله: "مدى الشيء: غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرةَ الله تعالى إذا استوفى وُسْعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت".
قال الحافظ رحمه الله: "ويشهد لهذا القول رواية من قال: "يغفر له مدَّ صوته"، بتشديد الدال، أي: بقدر مدِّه صوتَه".
قال الخطّابي رحمه الله: "وفيه وجه آخر هو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة لَـغفرها الله" انتهى.

-      ( مدى صوته ): يعني تُغفر له الذنوب ولو قُدّر أنها تملأ ما بين مكانه ومنتهى صوته من جميع الجهات، والمقصود: تغفر له ذنوبه ولو كانت كثيرةً.
وقال بعض أهل العلم: يغفر له إلى منتهى صوته، بمعنى: أنه كلما رفع الصوت كلما عَظُمَت المغفرة، كلما مدّ صوته أكثر كلما عَظُمَت المغفرة له، فيكون مقدار المغفرة بمقدار رفع الصوت.

-      ( ويُصَدِّقُه كلُّ رطْبٍ ويابسٍ ): لأنه يقول الحق، وما دلت عليه الفطرة

-   ( ويشهد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ ): المؤذن يُشْهَد له في الدنيا أنه على الفطرة، وأنه شهد بالحق، ولذلك لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يؤذن فقال: الله أكبر الله أكبر، قال: ( على الفطرة )، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: ( شَهِدَ بِالحَقّ )، فالمؤذن يُشهد له في الدنيا، وكل ما كان في مدى صوته يشهد له يوم القيامة بالتوحيد وبأنه قام بهذه العبادة.

-      " والنسائي ": أي رواه النسائي بهذا اللفظ، وهذا صحيح، " وزاد فيه: ( وله مثلُ أجرِ من صلّى معه ) ": وهذه الزيادة ليست في هذا الحديث وإنما في حديث البراء الذي سيأتي إن شاء الله.

-      وابن ماجه، وعنده: ( يُغْفَر له مَدَّ صوتِه، ويستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابس ): وفي بعض نسخ ابن ماجه: ( مدى صوته ).
( مدّ صوته ): رفع صوته، فيكون مقدار المغفرة بمقدار رفع الصوت، ( مدى ): مُنْتَهَى.

-      " وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: ( المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما ) ": الذي وقفت عليه في المطبوع: مدى صوته

( وشاهدُ الصلاةِ ): حاضر الصلاة مع الجماعة.
( يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً ): أي درجة، زيادة على صلاة المنفرد، قالوا: إذا كان يصلي جماعة في سوقه فالجماعة تزيد بخمس وعشرين درجة على الفرد، أما إن كان يصلي في المسجد فإنها تزيد بسبع وعشرين درجة.
( ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما ): هذه الزيادة ليست عند ابن حبان فقط، بل عند أحمد وأبي داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان.

   -      الرابط بين أول الحديث: ( المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ )، وآخر الحديث: ( وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما ) كما قال العلماء: أنه إشارة إلى أن المؤذن يُكتب له هذا، لأنه متسبب فيه، فإذا صلى مع المؤذن ألف فكأنه صلى ألف صلاة وصلاة واحدة هي صلاته، ثواب عظيم وأجر كريم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان