الأربعاء، 22 أبريل 2020

الحكم على المخالف في الاعتفاد - نصوص الوعيد - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم


الاعتقاد في الشرع هو: ما يجب عَقْدُ القلب عليه، وهو الإيمان بأركان الإيمان وما يتعلق بها، وما يتبع ذلك مما يميّز أهل السنة والجماعة.
ماذا يُذكر في كتب الاعتقاد؟ الإيمان بأركان الإيمان وما يتعلق بها، يعني التفصيل والتفريع عن هذا، وما يميّز أهل السنة عن غيرهم من الفرق.

" فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة... ":

أي أن هذا الاعتقاد هو الاعتقاد الذي أجمع عليه أهل القرون المفضلة وأجمع عليه أهل السنة، فلا يُعلَم فيه نزاع عنهم.
فلا يحلّ لأحد أن يعتقد غير هذا الاعتقاد، وكل اعتقاد خالفه فهو بدعة مذمومة، ومن خالف هذا الاعتقاد من المسلمين فهو مخطئ يقيناً.
فإن كان قد اتقى الله وسلك الطريق المشروع غير أنه أخطأ في شيء منه، فهو مجتهد مخطئ يُرجى أن يغفر الله عز وجل له، وقد يقوم به من الأعذار ما يغفر الله له بها.
نقول: كل من خالف هذا الاعتقاد فهو مخطئ لا يتردد في تخطئته، أما الحكم عليه فإن كان قد اتقى الله ما استطاع وسلك الطريق المشروع لكنه أخطأ في بعض هذا الاعتقاد فهذا مجتهد يرجى أن يغفر الله له خطأه، وقد يقوم بمخالف هذا الاعتقاد في بعضه أعذار يغفر الله عز وجل له بها.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مناظرته: لما ذكر أن هذا اعتقاد الفرقة الناجية، قال له خصومه: هذا يعني أن كل من لم يعتقد هذا الاعتقاد فهو هالك من أهل النار، قال رحمه الله: " ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا، فإن المنَازِعَ قد يكون مجتهدا -أي اتقى الله ما استطاع وسلك الطريق المشروع ونظر النظر الشرعي غير أن الله لم يهده للصواب فأخطأ في شيء من الاعتقاد- مخطئًا يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة "، قد يكون جاهلا حقيقةً، ما بلغه من العلم ما تقوم عليه به الحجة، إلى قوله: " بل موجِبُ هذا الكلام -أي ما ذكره وقرأناه هنا- أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيًا وقد لا يكون ناجيًا "، إذًا مقصود الكلام بيان أن من اعتقد هذا الاعتقاد فهو ناج لا شك في ذلك، أما من لم يعتقد هذا الاعتقاد فهو مخطئ يقينا لا شك في ذلك، لكن هل يكون هالكا؟ هل نجزم له بأنه من أهل النار؟، الجواب لا، قد يكون هالكا وقد لا يكون هالكا بحسب الاعتبار.
فالمقصود أن هذا مقام بيان الاعتقاد الصحيح الذي يجب على المسلم أن يعتقده وتحرم مخالفته، وليس مقام الحكم على من اعتقد خلاف هذا، فإن لهذا شأنًا آخر ومقامًا آخر.
وبعض الناس يأتي فيقرأ في كلام العلماء فيجد أنهم يحكمون على الفعل فيقولون هذا شرك أكبر، هذا كفر، فيقول هؤلاء العلماء تكفيريون، وهذا جهل بالشرع وبحال العلماء، فإن الحكم على الفعل لا يستلزم الحكم على الفاعل، بل الحكم على الفعل له شأن آخر.

- نصوص الوعيد بدخول النار على قسمين:
نصوصٌ وردت في الكفار، وهذه متحققة يقينًا، بشرط أن يثبت بالنص والدليل أن المتوعَّد عليه بدخول النار كفر.
وليس الوعيد بدخول النار دليلا على الكفر، فقد يُتَوَعَّدُ بدخول النار الكافر وغير الكافر، لكن إذا جاءت نصوص الوعيد في حق الكفار فهي متحققة يقينا.
والقسم الثاني: أن ترد في حق العصاة من المسلمين، كوعيد شارب الخمر بدخول النار، ووعيد الزاني بدخول النار، ووعيد القاتل عمدًا بدخول النار، فهذه تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنهم، بعفوه ومغفرته ورحمته، وقد تكون لهم حسنات تَرْجُح بتلك السيئات في الميزان، وقد يعذّبهم الله بمقدار ذنوبهم ثم يُخْرِجهم من النار.
إذًا ليس الوعيد بالنار دليلا على الكفر وليس لازمًا منه الوقوع.
لكن المشروع لمن يحدّث الناس أن يُـمِرَّ نصوص الوعيد على ظاهرها، وأن لا يتعرّض لكونها تحت المشيئة حتى لا يَضْعُفَ أثرها في نفوس الناس، إلا إذا حدثت فتنة وأصبح الخوارج يستعملون النصوص في تكفير عموم المسلمين فهنا تُفَسّر وتُبَيّن لدرء فتنة أهل الفتن.
وقد اختلف العلماء في هذه الفرق هل هي كافرة أو ليست كافرة؟، والذي عليه أكثر أهل السنة والذي تدل عليه الأدلة دلالة بينة أنهم ليسوا كفارا على الإطلاق، بل قد يكفر منهم من يكفر ويكون بعضهم مبتدعًا ويكون بعضهم مـخطئًا.



الجمعة، 17 أبريل 2020

الاعتقاد الـمُجْمَل الواجب في أركان الإيمان - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم



قال الله عز وجل: { وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ }، وقال سبحانه: { وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }، وفي حديث جبريل المشهور أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " ما الإيمان؟ " فقال صلى الله عليه وسلم: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث )، متفق عليه، وعند مسلم بلفظ: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ).

-       هذه الأصول الستة لا يكون الإنسان مؤمنا إلا إذا آمن بها، فمن لم يؤمن بالله ليس بمؤمن، ومن لم يؤمن بالملائكة ليس بمؤمن، ومن لم يؤمن بالرسل فليس بمؤمن، ومن لم يؤمن بالكتب فليس بمؤمن، ومن لم يؤمن باليوم الآخر فليس بمؤمن، ومن لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن.

-       والإيمان بالله إجمالا معناه:
أن تؤمن بوجود الله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
الإيمان بالله إجمالا أن تؤمن بوجود الله وأنه سبحانه موجود، وأن تؤمن بربوبيته فتوحّد الله في أفعاله، وتؤمن بألوهيته وأنه المستحق للعبادة فتوحّد الله بأفعالك، وأن تؤمن بأن له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العُلى.
فمن آمن بهذا فقد آمن بالله، ثم يزداد الإيمان بالله بما سيأتي بيانه إن شاء الله، يزداد إيمان المؤمن بالله إذا عرف الأدلة على وجود الله، إذا عرف تفاصيل توحيد الربوبية، إذا عرف تفاصيل توحيد الألوهية، إذا عرف تفصيل الأسماء والصفات، فإن إيمانه يزداد، وسيأتي إن شاء الله في كلام الشيخ بيان بعض ما يتعلق بالإيمان بالله عز وجل.

-       الإيمان بالملائكة إجمالا:
أن تؤمن بأنهم خلق من نور، وأنهم موجودون حقيقة - ليس خيالا ولا وَهْما -، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، وأن لهم أعمالا خاصة، وأن أعدادهم كثيرة جدا، وأن تؤمن بأسماء من ثبت النصُّ بأسمائهم، وأن تؤمن بما ثبت من أوصافهم وأعمالهم.

-       الإيمان بالكتب أجمالا:
أن تؤمن بأن الله أنزل كتبا على رسله، وتؤمن بأسماء الكتب التي ثبتت النصوص بأسمائها.

-       الإيمان بالرسل:
أن تؤمن أن الله أرسل من البشر رسلا يبلّغون رسالاته، وأنهم مبشِّرون ومنذِرون، وأن عددهم كبير، وتؤمن بأسماء من عُيّنت أسماؤهم منهم، وتؤمن ببقيتهم إجمالا، وتؤمن بأنهم صادقون، وأن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

-       الإيمان بالبعث بعد الموت:
أن تؤمن بكل ما جاء في القرآن وصح في سنة النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت إلى دخول الجنة أو النار، وما في الجنة والنار، فتؤمن بذلك إجمالا.

-       الإيمان بالقدر خيره وشره معناه:
أن تؤمن بأن الله قدّر الأمور حسب ما سبق به علمه واقْتَضَتْهُ حكمته، فالقدر عن علم كان وبحكمة كان، وأن تؤمن بأن الله عَلِمَ كل شيء، فعلمه سبحانه بكل شيء قديم مُحيط ثابت، عَلِمَ في الأزل كل شيء سبحانه وتعالى، وأحاط بكل شيء عِلْما، فلم يخرج عن علمه حركة ولا سكون سبحانه وتعالى، وعلمه ثابت لا يتغيّر فلا يمكن أن يكون في الواقع خلاف علم الله سبحانه وتعالى.
وأن تؤمن بأن الله عز وجل كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى قيام الساعة.
وأن تؤمن بمشيئة الله، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يقع في خلق الله ولا من خلق الله إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى.
وأن تؤمن بأن الله خالق كل شيء.
إذًا، علمٌ، فكتابةٌ، ومشيئة، وخلق، تؤمن بهذه الأربعة.
وأن تؤمن أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

إذًا الإيمان بالقدر إجمالا: أن تؤمن بأن الله عز وجل قدّر كل شيء، بحسب علمه السابق، وما اقتضته حكمته سبحانه وتعالى.
وتؤمن بمراتب القدر: أن الله أحاط بكل شيء علما، وأمر القلم فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنه سبحانه شاء فلا يكون في الكون إلا ما شاء سبحانه، وأنه خلق كل شيء.
وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك أبدا، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.
وتؤمن أيضا بأن الخير من قدر الله لحكمة، وأن الشر من قدر الله لحكمة، ولما كان لحكمة فإن الشر لا يُنسب إليه سبحانه وتعالى، وإن كان مُقَدِّرًا له خالقا له، لكنه لما كان لحكمة لم يكن الشر لينسب إلى الله عز وجل، بل هو مقتضى الحكمة التامة.

-       فإذا آمن الإنسان بهذه الأصول الستة على هذا الوجه المجمل فهو مؤمن وإن غاب عنه بعض التفصيل.

فهذه هي العقيدة إجمالا، وإذا ضبطت هذا فقد ضبطت العقيدة، ثم تزداد علما فيها بحسب ما تقرأ من كتب أهل السنة، ولذلك ينبغي علينا يا إخوة أن نهتمّ بتعليم الناس هذه الأصول الستة، ونبدأ بالإجمال، ثم بعد ذلك نفصّل لهم بحسب مقتضيات الأحوال، ليزداد المؤمنون إيمانا، وهذه الطريقة الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة وسار عليها علماء الأمة، وسار عليها ابن تيمية هنا، بدأ بالعقيدة إجمالا، ثم فصل ما يُحتاج إلى تفصيله في زمنه، فذكر العقيدة تفصيلا.

-       بعض أهل العلم يذكر في الإيمان بالملائكة أنهم مخلوقون من نور، ويزيد: وأن لهم أجساد، وأنه قَيْدٌ ضروري، فهل هذا صحيح؟
يقول العلماء هذا للرد على من يقول إنهم أرواح بلا أجساد، لكن هذا لا يلزم في الاعتقاد المجمل، فإذا اعتقد أنهم مخلوقون من نور وأنهم موجودون حقيقة وأن لهم أعمال خاصة وما ذكرناه فهذا يكفي في الاعتقاد المجمل.

في أي قسم من أقسام التوحيد يدخل الإيمان بوجود الله؟
هذا أصل التوحيد، كيف يؤمن بربوبية الله وبألوهيته وبأسماء الله وصفاته من لم يؤمن بوجود الله، إذًا أصل التوحيد هو الإيمان بوجود الله فهو يدخل في كل أنواع التوحيد.


السبت، 11 أبريل 2020

المصالح من جهة اعتبار الشرع لها - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم

المصالح من جهة اعتبار الشرع لها تنقسم إلى أربعة أنواع:
النوع الأول: مصالح معتبرة جاء بها الشرع نصا فهذه لا إشكال في اعتبارها.
النوع الثاني: مصالح ملغاة ألغاها الشرع ولم يُلتفت لها فلا عبرة بها، ويضربون لهذا مثالًا وهو أن أحد ولاة الأندلس سأل عن كفارة الجماع في نهار رمضان، فقال له أحد الفقهاء: تصوم شهرين متتابعين، مع أن الذي ورد في نصوص عتق رقبة أولاً، فقيل له في ذلك فقال هذا والي عنده مماليك كثر لو أخبرناه بذلك يطأ كل يوم ويُعتق لكن صيام شهرين ثقيل عليه.
فهذه مصلحة لكنها ملغاة، ولا عبرة بها.
النوع الثالث: المصالح المرسلة ومعناها أن الشرع جاء بجنسها وترك نوعها للناس، جاء بأصلها وترك كيف تُحقق للناس.
مثال: الشرع جاء يحفظ القرآن، وتُرك للناس كيف يُحفظ، فجمع القرآن في المصحف من المصالح المرسلة لأن فيه حفظ القرآن الذي جاء به الشرع، والصحيح أن المصالح المرسلة معتبرة.
ولا تكون المصالح المرسلة في العبادات، وانما تكون في الوسائل، العبادات فُصّلت لنا وما تُرك شيء.
النوع الرابع: مصالح مسكوت عنها، فهذه معتبرة شرعًا؛ لأن الشرع مبني على جلب المصلحة، ومن ذلك قوانين المرور وتنظيم شؤون المواطنين بما لا يخالف شرع الله تعالى.

الجمعة، 10 أبريل 2020

عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهّد قال: ( وأنا، وأنا ) - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم
[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهّد قال: ( وأنا، وأنا ).
رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد".
-      من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال أحيانا عند التشهد: وأنا وأنا.
-      هل هذا كان عند التشهد فقط وكان صلى الله عليه وسلم يجيب بقية الأذان؟
بمعنى: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يجيب المؤذن فيقول مثل ما يقول المؤذن إلا عند قول المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله" فيقول: ( وأنا )، "أشهد أن لا إله إلا الله" ويقول: ( وأنا )، "أشهد أن محمدًا رسول الله" ويقول: ( وأنا )، "أشهد أن محمدًا رسول الله" ويقول: ( وأنا )، أو أحيانا إذا سمع المؤذن إنما يقول: ( وأنا وأنا ) عند التشهد ولا يجيب المؤذن؟
الجواب: قيل بهذا وقيل بهذا والأمر محتمل، والأقرب والله أعلم أنه يجيب المؤذن وعند التشهد يقول: وأنا وأنا أحيانًا، وهذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معاوية رضي الله عنه يفعله أحيانا وهو على المنبر.

شرح: ( من قال حين يسمع المؤذن: " وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً "؛ غفر الله له ذنوبه ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم
[صحيح] وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من قال حين يسمع المؤذن: " وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً "؛ غفر الله له ذنوبه ).
رواه مسلم والترمذي -واللفظ له-، والنسائي وابن ماجه وأبو داود، ولم يقل: ( ذنوبَه )، وقال مسلم: ( غفر له ما تقدم من ذنبه ).

-      اللفظ بتمامه للترمذي.

-      " وأبو داود، ولم يقل: ( ذنوبَه ) ": عند أبي داود: ( غُفِرَ له )، وليس كما يوهم كلام المصنف أن الرواية عنده: غفر الله له، بل: ( غُفِرَ له ).

-      " وقال مسلم: ( غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ) ": لا هذا غلظ، بل الذي عند مسلم: ( غُفِرَ له ذنبه )

-      ( من قال حين يسمع المؤذن ): مُـحْتَمِلة أن تكون في أول الأذان ومُـحْتَمِلة أن تكون في وسطه ومُـحْتَمِلة أن تكون في آخره، والأظهر عندي والله أعلم أن هذا الذكر يُشرع عند عند فراغ المؤذن من الشهادتين: " أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله "، فيُشْرَعُ للمسلم أن يقول بعد " أشهد أن محمدًا رسول الله " الثانية: "وأنا أشهد .."؛ لأن هذه الواو عاطِفَة، فتقتضي معطوفا عليه، فحين يتشهد المؤذن كأنك تقول له: أنت شَهَدَّت أن لا إله إلا الله وأنا أشهد، ولذلك أقرب ما قيل من أقوال أهل العلم أن هذا الذكر محله عند فراغ المؤذن من الشهادتين.

-      (  غفر الله له ذنوبه ): والمقصود عند الجمهور: الصغائر دون الكبائر.

-      وفي الحديث فضيلة هذا الذكر.

الأربعاء، 8 أبريل 2020

شرح: ( من قال حِينَ يَسْمعُ النِّداء: " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته "؛ حَلَّت له شفاعتي يوم القيامة ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم
[صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من قال حِينَ يَسْمعُ النِّداء: " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته "؛ حَلَّت له شفاعتي يوم القيامة ). رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

-      ( من قال حِينَ يَسْمعُ النِّداء ): هذه الجملة محتملة أن يكون ذلك عند سماع الأذان مباشرة، وأن يكون ذلك عند الفراغ من الأذان، والظاهر والله أعلم والأقرب أنها تكون عند الفراغ من الأذان وليس في أول الأذان؛ لما تقدم في الحديث السابق في قوله ثم[1]، فهذا يدل على أن هذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالوسيلة إنما يكون بعد الفراغ من الأذان والترديد مع المؤذن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا.

-      ( اللهُمَّ ): يا الله، حذفت ياء النداء وعُوِّضت بالميم، ثم إن الميم نُقلت من الأول إلى الأخير للتبرك بالبداءة باسم الله سبحانه وتعالى.
-      ( اللهُمَّ رَبَّ ): قال بعض أهل العلم: رب هنا بمعنى صاحب، يعني: اللهم صاحب هذه الدعوة التامة؛ لأنه هو الذي شرعها وأمر بها سبحانه وتعالى.
وأَبَوْ أن يقولوا معناها خالق؛ لأنه هذه الدعوة تضمنت صفات الله وصفات الله ليست مخلوقة.
وقال بعض أهل العلم: رب هنا بمعنى خالق، لكن المقصود: خالق هذا الصوت الذي سمعناه وهذه الألفاظ التي سمعناها، فلا محظور في هذا.

-      ( هذه الدعوة ): أي الأذان، وهي دعوة إلى الصلاة.
-      ( التَّامَة ): هذه الدعوة تامة لأن فيها التوحيد وتمام كل شيء بالتوحيد.

-      ( والصّلاةِ القائِمَة ):
1. قال بعض أهل العلم: الصّلاةِ القائِمَة أي الـمُقَامَة.
2. لكن الصلاة لا زالت لم تُقَام، ولذلك قال بعض أهل العلم: معنى الصّلاةِ القائِمَة هنا: التي ستُقَام؛ فإن الصلاة التي أُذّن لها أُقِيمَت وإن كانت الآن ليست قائمة.
3. وقال بعض أهل العلم: الصّلاةِ القائِمَة: أي الـمُقَامَة من المؤمنين الذين أُمِرُوا بإقامتها، فليس المقصود أنها أقيمت بالإقامة وإنما المقصود أن المؤمنين يُقِيمونها كما أمرهم الله عز وجل.
4. وقال بعض أهل العلم: معنى القائمة: الدائمة، الصلاة الدائمة، التي هي باقية ما بقي الدين، فآخر ما يُفقد من الدين الصلاة.

-      ( آتِ محمدًا الوسيلةَ ): الوسيلة هي المنزلة العالية.

-      ( والفضيلة ): الفضيلة معناها: المرتبة التي يزيد بها عن سائر الخلق، ويَشْرُف بها على سائر الخلق.

-      (  وابْعَثْهُ مَقَامًا مَـحْمُودًا الذي وَعَدَّته ):
قال بعض أهل العلم: يعني أخرجه من قبره إلى المقام المحمود عند البعث.
وقال بعض أهل العلم: معناه: وآته وأَعْطِهِ، وهذا من معانيها.

-      المقام المحمود: هو الذي يُحْمَد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم محمودٌ في الدنيا ومحمودٌ يوم القيامة

-      وأما زيادة: "إنك لا تخلف الميعاد" فليست من المنكرات، وليست مما يسوغ إنكاره على قائله، وليست مما تشمئز النفس من قول قائله في آخر هذا الدعاء، لأن هذه الجملة قد وردت في أحاديث، وأسانيدها صحيحة في الحقيقة، وقد صحّحها الشيخ ابن باز، لكن الخلاف بين أهل العلم: هل هي شاذة أو ليست شاذة؟ بعض أهل العلم حكم بشذوذها، فحكم أنها ضعيفة لشذوذها وإلى هذا أميل، وبعض أهل العلم قال ليست شاذة بل هي من زيادة الثقة فَتُقال، والمقصود أن الأمر هنا واسع، فلا ينبغي التناحر ولا الإنكار.
ما نألفه نحن ونسمعه من مشايخنا الخاصين لا يعني أن غيره باطل، فقد يكون محتملًا، هو عندنا ضعيف وعند غيرنا صحيح بوجه صحيح، فأدعو نفسي وإخواني إلى أن لا يكون سبب إنكارنا ما ألفناه، لا، سبب الإنكار هو النظر في الأدلة، فإن كان الأمر منكرًا أنكرناه، وإن كان الأمر محتملًا لم ننكر لكن يمكن أن نتناقش.
والشيخ الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" بيّن أن الزيادة شاذ بأسلوب علمي، وهذا الذي أميل إليه، وأنا لا أقولها لكن لا إنكار على من يقولها، وكان الشيخ ابن باز رحمه الله يقول أن الزيادة صحيحة ولا حرج في قولها، وكذا سمعت من الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يرى أنه لا حرج في قولها.


[1] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله ليَ الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت له الشفاعة ). رواه مسلم

شرح حديث: ( إذا قال المؤذن: "الله أكبر الله أكبر"، فقال أحدكم: "الله أكبر الله أكبر"، ... ) - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم
[صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا قال المؤذن: "الله أكبر الله أكبر"، فقال أحدكم: "الله أكبر الله أكبر"، ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله"، قال: "أشهد أن لا إله إلا الله"، ثم قال: "أشهد أن محمدا رسول الله"، قال: "أشهد أن محمدا رسول الله"، ثم قال: "حي على الصلاة"، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "حي على الفلاح"، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "الله أكبر الله أكبر"، قال: "الله أكبر الله أكبر"، ثم قال: "لا إله إلا الله"، قال: "لا إله إلا الله" من قلبه؛ دخل الجنة ).
رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

-      هذا الحديث الصحيح مُفَصَّل مُبيَّن، وحديث أبي سعيد[1] وعبد الله بن عمرو[2] مجملان، والمفصَّل المبيَّن مُقَدَّم على الـمُجْمَل، فالنبي صلى الله عليه وسلم فَصّل، فقال: ( ثم قال: "حي على الصلاة"، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "حي على الفلاح"، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله")، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "قال: حي على الصلاة"، ولا: "حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله"، وبهذا يترجح عندنا أنه في إجابة المؤذن عند الحَيْعَلَتَين يقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فقط.

-      وهذا تَشْهَد له الحكمة لأن الحَيْعَلَة دعاء إلى الصلاة، يعني هلمّوا إلى الصلاة، والمـُجِيب ليس داعيا، وهذا ليس ذكرا، وإنما هو نداء للناس، فناسب أن يقول ذكرًا، فشُرع له أن يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله".

-      وهذا الذكر مناسب؛ لأنه لما قال المؤذن: "حي على الصلاة"، تعال إلى الصلاة، قال "لا حول ولا قوة بالله" أي أبْرَأ من حولي وقوتي لا أقوم إلا بحول الله وقوته، إن قمت فهي نعمة من الله وفضل.

-      ومعنى: "لا حَوْلَ": لا تحوّل من حال إلى حال إلا بأمر الله تعالى.
فأن أتحول من جلوسي إلى ذهابي إلى المسجد إنما يكون بأمر الله وإذنه وبعون الله وتوفيقه.
وفيه: التبرؤ من الحول والقوة إلا بعون الله سبحانه.
وفيه: الاستعانة، كأن العبد يقول: أستعين بك يا رب على هذه الطاعة.

-      ( قال: "لا إله إلا الله" من قلبه؛ دخل الجنة ): لا بد أن يكون قول "لا إله إلا الله" عن يقين ومن القلب، ولا يمكن أن يكون ذلك عن يقين ومن القلب إلا مع التوحيد، ألا تعبد إلا الله.
والذي يقول لا إله إلا الله ويذهب إلى أصحاب القبور ويقول: المدد المدد، ونحو هذا، هذا ما قال لا إله إلا الله من قلبه.


[1] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول المؤذن ). رواه البخاري ومسلم.
[2]  وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله ليَ الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت له الشفاعة ). رواه مسلم



الاثنين، 6 أبريل 2020

شرح: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله ليَ الوسيلة ... ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم

[صحيح] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول المؤذن ).
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
-      هذا الحديث صحيح في غاية الصحة.
-      ( إذا سمعتم المؤذن ): إذن هذا الحكم معلق على سماع المؤذن، وهذا يشمل كل مؤذن.
وهذا يكون عندما يسمع المسلم المؤذن الذي يؤذن للصلاة بالسماع المعتاد لا في المذياع مثلا إذا كان الأذان لغير بلدك، فلا يدخل في الحديث وإن قال بعض أهل العلم أنه يجاب لأنه ذكر ولأنه سمع المؤذن، لكن القاعدة: النصوص تُحمل على ما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتُحمل على المعتاد.

-      ( فقولوا مثل ما يقول المؤذن ): فيه مشروعية أن يقول الإنسان مثل ما يقول المؤذن.
-      وإجابة المؤذن عند الجمهور ليست واجبة، بل مستحبة، والأمر الوراد في الأحاديث إنما هو للاستحباب، والصارف من الوجوب إلى الاستحباب:
1-         أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنًا فلمّا كبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( على الفطرة )، فلما تشهد قال: ( خرجت من النار )، والحديث عند مسلم، ووجه الدلالة أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّد معه، ولو كانت الإجابة للمؤذن واجبةً لأجابه النبي صلى الله عليه وسلم.
2-         أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: ( وأنا، وأنا )، ولذلك ذهب بعض أهل العلم أنه من السنة أحيانا إذا سمع المسلم النداء أن يقول: "وأنا وأنا" عند التشهد.
3-         الأمر الثالث: ما رواه مالك في الموطأ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَر، - أي أنهم يصلون ما كتب الله لهم أن يصلوا -. فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ، قَالَ ثَعْلَبَةُ: جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ، أَنْصَتْنَا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ.
وجه الدلالة: أنه إذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون تحدثوا فيما بينهم، وما دام أنهم يتحدثون فمعناه أنهم لا يجيبون المؤذن، لأن الذي يُـجِيب المؤذن ليس عنده وقت ليتحدث أثناء الأذان، فمعنى ذلك أنهم كانوا لا يجيبون الأذان في زمن عمر رضي الله عنه ولم يُنْكَر عليهم فدل على الإجابة ليست واجبة.
4-         ومما استدل به بعض أهل العلم على أن الإجابة مستحبة ما جاء في حديث مالك بن الحُوَيْرِث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاة، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ولْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ) متفق عليه، وجه الدلالة: قالوا: المقام مقام تعليم، ولو كانت إجابة المؤذن واجبة لقال: فليؤذن لكم أحدكم وليُجِب الآخر، فلما بم بأمرهم بالإجابة دل ذلك على أن الإجابة مستحبة.
وهذا الظاهر والله أعلم، أن إجابة المؤذن مستحبة، من فعلها نال الفضل العظيم ومن تركها لا يأثم.

-      ظاهر هذا أن الإنسان يقول مثل ما يقول المؤذن في الأذان كله، لكن هذا مخصوص، فإنه يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في الحَيْعَلَتَين على الراجح ويجيبه بقوله لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعض أهل العلم تمسك بظاهر الحديث وقال تقول مثل ما يقول المؤذن في الأذان كله، حتى عندما يقول "حي على الصلاة" فإنك تقول "حي على الصلاة"، وإذا قال "حي على الفلاح" فإنك تقول "حيّ على الفلاح".
وبعض أهل العلم أراد الجمع بين الأحاديث فقال: يقول "حيّ على الصلاة، لا حول ولا قوة إلا بالله"، لكن هذا الجمع غير مُتَّجِه والله أعلم؛ لأن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مُطْلَق والأحاديث المقيّدة كحديث عمر رضي الله عنه مُقَيَّدة فتُقدم على المطلق، ولم يُجمع فيها بين قوله "حي على الصلاة" و"لا حول ولا قوة إلا بالله".



[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله ليَ الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت له الشفاعة ).
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

-      ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ): فمشروع إذا سمعنا المؤذن أن نقول مثل ما يقول إلا في الحَيْعَلَتَيْن.
-      إذا سمعت أكثر من مؤذن كما هو الواقع اليوم فمن تجيب؟
قال العلماء: إذا سمعهم جميعًا في وقت واحد فإنه يجيب المؤذن الذي يدعوه، أي الذي يؤذن في المسجد الذي يصلي فيه.
فإن سمعهم جميعًا لكن لم يسمعهم في وقت واحد بل كان يسمع هذا تارة وهذا تارة فإنه يردد مع الجميع، مثال: إنسان أذن المؤذن وهو في حيه، وركب سيارته، وهو يسمع مؤذن حيه يؤذن ويقول "الله أكبر الله أكبر" فيقول مثله، ثم تقدم بالسيارة وانقطع أذان الأول فسمع بعض أذان مؤذن آخر وهو يقول "أشهد أن محمدًا رسول الله" فيقول مثله، ثم تقدم بالسيارة وانقطع الأذان، ثم سمع بعض أذان مؤذن آخر فيقول مثله، وهكذا، فلم يسمعهم في وقت واحد، قال العلماء: يردد مع الجميع، كلما سمع أذان المؤذن ردد.
إذا سمع مؤذن حيّه فأجابه ثم بعدما فرغ مؤذن الحي شَرَعَ مؤذن آخر في الأذان فسمعه، فهنا بعض أهل العلم يقولون أنه أيضًا يردد معه؛ لعموم النص، ولأنه ذكر مشروع وُجد سببه، وهو سماع المؤذن.

-      ( ثم صلوا عليّ ): أكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية، وبأي لفظ صلّيت على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يكن فيه مخالفة شرعية حصل المقصود.
فلو قلت: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " حصل المقصود وهذا أكمل، ولو قلت: " صلى الله على محمد " أو " صلى الله على نبينا محمد " أو " صلى الله على النبي الأمي " أو " صلى الله على سيدنا محمد " حَصَلَ المقصود.
-      ويجوز للمسلم أن يقول: " صلى الله على سيدنا محمد " فهو سيدنا وسيد ولد آدم إلا في الصلاة فإنها توقيفية، فلا يجوز أن تقول في الصلاة الإبراهيمية: "اللهم صل على سيدنا محمد"، أما خارج الصلاة فيجوز، فإذا سمعت المؤذن فقلت: " صلى الله على سيدنا محمد " فلا بأس ويجوز.

-      ( من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ): وهذا من فضل الله عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن إكرام الله لمن أكرم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة فقام بحقه وصلى عليه جازاه الله سبحانه وتعالى بأن صلى الله عليه وسلم عليه سبحانه وتعالى عشرًا بل ويزيده أن تُمحى عنه عشر خطيئات وأن يُرفع عشر درجات، وهذا من بركة محمد صلى الله عليه وسلم على أمته.

-      ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل المشروع للمسلم أن يُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موطن من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سمعنا المؤذن وقلنا مثل ما يقول، نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

-      ( ثم سَلُوا الله لِيَ الوَسِيلَة ): الوسيلة هي المنزلة العالية، ولذلك فَسّرها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( فإنها منزلة في الجنة .. ).

-      ( لا تنبغي ) أي لا تليق ولا تكون ولا تحصل.

-      ( إلا لعبد من عباد الله ): وهذه الجملة استدل بها من قال من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، ليس أفضل البشر بل أفضل الخلق لأن الله جعل له هذه الوسيلة ووعده بهذه الوسيلة التي لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، في ذلك المقام العظيم.

-      ( وأرجوا أن أكون أنا هُوَ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت له الشفاعة ):
إذا سمعت المؤذن فقل مثلما يقول؛ فستؤجر على الذكر، وستنال ما سيأتي من فضل إن شاء الله، ثم صل على النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي الله عليك عشرًا، ثم سل الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى تنال بإذن الله تعالى شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

-      في الحديث فوائد: منها: فضل إجابة المؤذن.

-      ومنها: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا وبعد الأذان؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من صلى علي صلاة بعد الأذان، بل قال: (فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ) وهذا مطلق، وأمرنا وأرشدنا وحثنا أن نصلي عليه بعد الأذان.

-      ومنها: فضل سؤال الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه الوسيلة سؤالها للنبي صلى الله عليه وسلم ليس مخصوصًا بالأذان، فمشروع للعبد أن يسأل الله تعالى الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم في أي وقت، لكن آكد ما يكون عند الأذان.

-      وفي الحديث: مشروعية أن يسأل المسلم غيرَه من الصالحين الدعاء له، فهذا ليس من السؤال المنهي عنه.
فلو أن أخاك الذي يحبك وتحبه أراد أن يذهب إلى العمرة فقلت له: "لا تنسنا من صالح دعائك"، أو لو كنت في مرض ولك أخ صالح ترجوا أن يكون من مجابي الدعوة فلا حرج أن تطلب منه أن يدعو لك.
لكن لا يجوز التحريج على الناس، بعض الناس يقول: "أسألك بالله أن تدعو لي ولأمي في كل سجدة تسجدها"، فهذا تحريج، ولا ينبغي ذلك، لكن أن تسأل أخًا صالحا لك ترجوا أن يكون من مجابي الدعوة فهو مشروع لا بأس به.
والنبي صلى الله عليه وسلم طلب من أمته الدعاء له صلى الله عليه وسلم.
والدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم فيه الطلب وفيه العبادة، فالعبد إذا دعا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يثاب من جهة أنه دَعَا ومن جهة أنه دعا للنبي صلى الله عليه وسلم.

-      والشفاعة في اللغة هي: الطلب والدعاء، والشافع: هو الطالب لغيره.

-      والشفاعة لا بد فيها من طلب، والطلب لا بد أن يكون ممن يملك الشفاعة، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لا يملكها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمكلها أحد من الناس وإنما يملكها الله عز وجل، فتُطلب الشفاعة من الله، فلا يقال: "يا رسول الله اشفع لي" وإنما يقال "اللهم شَفِّع في نبيّك محمدًا صلى الله عليه وسلم"، وتُبذل الأسباب لنيل الشفاعة، ومنها: أن تسأل الله للنبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة.

-      والشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا لمن أذن الله ولمن رضي الله عنه، فلا بد من إذن الله للشافع ولا يملك أحد أن يشفع يوم القيامة إلا بإذن الله، ولا بد من رضا الله عن المشفوع له، أو رضا الله بالشفاعة له.
ولذلك يخطئ بعض المؤمنين في سؤالهم الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، فإن هذا خطأ عظيم، وإنما تُسأل الشفاعة من الله عز وجل.

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان