الثلاثاء، 31 مارس 2020

شرح العقيدة الواسطية - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا شرح لكتاب «العقيدة الواسطية»
والذي يقوم بشرحه الشيخ
 سليمان بن سليم الله الرحيلي -حفظه الله تعالى- في رحاب المسجد النبوي
والدروس لا تزال مستمرة
 

001 المقدمة 01-02-1439ه
002 قوله: أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة 15-02-1439ه
003 قوله: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابة وبما وصفة به رسوله عليه الصلاة والسلام 22-02-1439هـ
004 قوله: بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير 29-02-1439هـ
005 قوله: ولا يُقاس بخلقه سبحانه وتعالى 07-03-1439هـ
006 فصل في أدلة إثبات الصفات من كتاب الله عز وجل 14-03-1439هـ
007 من قوله: وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه 21-03-1439هـ
008 من قوله: ولِهذا كان مَن قرأ هذه الآية في ليلة لَم يزَلْ عليه من الله حافظ 17-05-1439هـ
009 من قوله: قال تعالى { وهو العليم الحكيم } 1439-06-15ه
010 وقوله: { ان الله هو الرزاق ذو القوّق المتين } 1439-07-07هـ
011 قوله: { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } 1439-07-14هـ
012 قوله تعالى: { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } 21-07-1439 هـ
013 قوله { فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } 28-07-1439هـ
014 قوله { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } 05-08-1439هـ
015 من قوله: وقوله تعالى { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } 13-05-1440هـ
016 قوله: وقال تعالى { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } 27-05-1440 هـ
017 قوله وقوله تعالى { إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإنّ الله كان عفواً قديراً } 30-05-1441هــ
018 قوله: وقوله تعالى { فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميّا } 14-06-1441هــ



الجمعة، 27 مارس 2020

شرح حديث: ( يُغفَرُ للمؤذن مُنتهى أذانِه، وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه ) - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم





[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( يُغفَرُ للمؤذن مُنتهى أذانِه، وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه ).
رواه أحمد بإسناد صحيح، والطبراني في "الكبير".

  -      ( يُغفر ): وفي رواية: ( يَغفِرُ اللهُ )، وهذا الموجود في المسند المطبوع.

  -    ( منتهى أذانِه ): قيل: معناه إلى حين انتهاء أذانه، فالله يغفر له منذ أن يقول: الله أكبر إلى أن يقول: لا إله إلا الله.
وقال بعض أهل العلم: بل هذا تقريب، ومعناه: يُغفر له ولو كان ما بين مكانه ومنتهى أذانه مملوءًا ذنوبًا له لغُفرت، يعني لو كان له ذنوب تملأ ما بين مكانه عندما يؤذن وما يبلغه صوتُه من يمين وشمال وأمام وخلف لغفر الله عز وجل له، وهذا يدل على فضيلة الأذان.

-      ( وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه ):
قال بعض أهل العلم: (كل رطب) الذي يكون فيه رطوبة، (ويابس): الجامد.
وقال بعض أهل العلم: (كل رطب) ما فيه روح، (ويابس): ما ليس فيه روح.
سبحان الله، جمع الله للمؤذن أمرين في المغفرة، الله يغفر له، وعباد الله يسألون الله أن يغفر له.
كل رطب ويابس يدعو الله أن يغفر للمؤذن، قال بعض أهل العلم: أي بالقوة وإن لم يحصل بالفعل، فلو فرضنا أن شخصا سمعه وما دعا له، فإنه يحصل له دعاء هذا له.


[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( المؤذنُ يُغفَر له مدى صوتِهِ، ويُصَدِّقُه كلُّ رطْبٍ ويابسٍ ).
رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وعندهما: ( ويشهد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ ).
[صحيح] والنسائي، وزاد فيه: ( وله مثلُ أجرِ من صلّى معه ).
[حسن صحيح] وابن ماجه، وعنده: ( يُغْفَر له مَدَّ صوتِه، ويستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابس ).
[حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: ( المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما.
قال الخطّابي رحمه الله: "مدى الشيء: غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرةَ الله تعالى إذا استوفى وُسْعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت".
قال الحافظ رحمه الله: "ويشهد لهذا القول رواية من قال: "يغفر له مدَّ صوته"، بتشديد الدال، أي: بقدر مدِّه صوتَه".
قال الخطّابي رحمه الله: "وفيه وجه آخر هو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة لَـغفرها الله" انتهى.

-      ( مدى صوته ): يعني تُغفر له الذنوب ولو قُدّر أنها تملأ ما بين مكانه ومنتهى صوته من جميع الجهات، والمقصود: تغفر له ذنوبه ولو كانت كثيرةً.
وقال بعض أهل العلم: يغفر له إلى منتهى صوته، بمعنى: أنه كلما رفع الصوت كلما عَظُمَت المغفرة، كلما مدّ صوته أكثر كلما عَظُمَت المغفرة له، فيكون مقدار المغفرة بمقدار رفع الصوت.

-      ( ويُصَدِّقُه كلُّ رطْبٍ ويابسٍ ): لأنه يقول الحق، وما دلت عليه الفطرة

-   ( ويشهد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ ): المؤذن يُشْهَد له في الدنيا أنه على الفطرة، وأنه شهد بالحق، ولذلك لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يؤذن فقال: الله أكبر الله أكبر، قال: ( على الفطرة )، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: ( شَهِدَ بِالحَقّ )، فالمؤذن يُشهد له في الدنيا، وكل ما كان في مدى صوته يشهد له يوم القيامة بالتوحيد وبأنه قام بهذه العبادة.

-      " والنسائي ": أي رواه النسائي بهذا اللفظ، وهذا صحيح، " وزاد فيه: ( وله مثلُ أجرِ من صلّى معه ) ": وهذه الزيادة ليست في هذا الحديث وإنما في حديث البراء الذي سيأتي إن شاء الله.

-      وابن ماجه، وعنده: ( يُغْفَر له مَدَّ صوتِه، ويستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابس ): وفي بعض نسخ ابن ماجه: ( مدى صوته ).
( مدّ صوته ): رفع صوته، فيكون مقدار المغفرة بمقدار رفع الصوت، ( مدى ): مُنْتَهَى.

-      " وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: ( المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما ) ": الذي وقفت عليه في المطبوع: مدى صوته

( وشاهدُ الصلاةِ ): حاضر الصلاة مع الجماعة.
( يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً ): أي درجة، زيادة على صلاة المنفرد، قالوا: إذا كان يصلي جماعة في سوقه فالجماعة تزيد بخمس وعشرين درجة على الفرد، أما إن كان يصلي في المسجد فإنها تزيد بسبع وعشرين درجة.
( ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما ): هذه الزيادة ليست عند ابن حبان فقط، بل عند أحمد وأبي داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان.

   -      الرابط بين أول الحديث: ( المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ )، وآخر الحديث: ( وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما ) كما قال العلماء: أنه إشارة إلى أن المؤذن يُكتب له هذا، لأنه متسبب فيه، فإذا صلى مع المؤذن ألف فكأنه صلى ألف صلاة وصلاة واحدة هي صلاته، ثواب عظيم وأجر كريم.

الخميس، 26 مارس 2020

شرح ( لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم

   

[صحيح] وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة: أنّ أبا سعيد الخُدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تُحبُّ الغَنَمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمِك أو بادِيتِك فأذَّنتَ للصلاة، فارفعْ صوتَك بالنِّداء، فإنّه لا يسمعُ مدى صوتِ المؤذنِ جِنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شَهِد له يومَ القيامةِ.
قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه، وزاد: ( ولا حَجَرٌ ولا شَجَرٌ إلا شهِدَ له ).
[صحيح] وابن خُزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( لا يسمعُ صوتَهُ شجرٌ ولا مَدَرٌ ولا حَجَرٌ ولا جِنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له ).


   -    " إني أراك تُحبُّ الغَنَمَ والباديةَ ": البادية هي الصحراء البعيدة عن العمران، وفي هذه الجملة دلالة على أن حب الغنم وحب البادية والغالب أنهما مرتبطان ليس مذمومًا، بشرط ألا يشغل عن واجب، ولا يُلهي عن الدين، فإن بعض الصحابة كانوا يفعلون ذلك، وبعض السلف كانوا يفعلون ذلك.

   -  " فأذَّنتَ للصلاة ": فيه مشروعية الأذان ولو كان الإنسان لوحده، فيُشرع له أن يؤذن إلا إذا كان قد سمع الأذان فإن الأذان يكفي عن المجموع، وإن كان لم يسمع الأذان ولو في بيته فإنه يُشرع له أن يؤذن من أجل الصلاة.

-      وفيه فضيلة الأذان لمن كان في باديته وغنمه، بل إن من أعظم أعمال المؤمن وأرجاها أن يكون بعيدًا عن أعين الناس فتحضر الصلاة فيؤذن ويقيم ويصلي.
فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يَعْجَبُ ربكَ من راعي غَنَم في رَأْسِ شَضِيَّةِ الجبلِ يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة )، رواه النسائي وأبو داود وصححه الألباني، والشَّضِيَّة: أعلى الجبل إذا كان فيها جَادة، أي طريق.
فهذا راعي الغنم في أعلى الجبل لا يوجد معه أحد، حضر وقت الصلاة فأذّن، وأقام، وصلى، والعلة أن الذي دعاه إلى ذلك أنه يخاف الله تعالى.
فمن أذن أقام صلى مخلصًا لله خائفًا من الله فإنه يدخل في هذا الفضل؛ لأن الله عز وجل يقول: ( انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني ) فهذه العلة.

-      والعبادة وقت الغفلة أو وقت الخلوة: أفضل من غيرها.

-      " فارفعْ صوتَك بالنِّداء ": ولو كنت لوحدك؛ لأنه ليس المقصود بالنداء أن تنادي الناس فقط، إنما هو ذكرٌ شعارُه الرفع، وفي رفع الصوت به فضيلة وأجور كريمة.

-   " فإنّه لا يسمعُ مدى صوتِ المؤذنِ جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ إلا شَهِد له يومَ القيامةِ ": "مدى" يعني نهاية صوت المؤذن، يعني من مكانه إلى نهاية صوته.

-      " ولا شيءٌ ": اختلف العلماء في المراد بـ"الشيء" هنا:
فقال بعضهم: أي كل ما يسمع، كالملائكة والحيوانات.
وقال بعض أهل العلم: بل هو على بابه، لا يسمع أذانه شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة، الحجر، الشجر، الطين، فيدخل كل شيء يكون في مدى صوته ويشهد له يوم القيامة، وهذه فضيلة عظيمة، وهذا هو الراجح، ويدل لذلك الروايات الأخرى.

-      رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه، وزاد: ( ولا حَجَرٌ ولا شَجَرٌ إلا شهِدَ له ): هذه الزيادة جاءت عند الحميدي في "مسنده" وعند أبي يعلى وعند عبد الرزاق وعند البيهقي في "المعرفة".
وهي عند ابن ماجه بلفظ: " لا يسمعه جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر إلا شهد له "، وهذه الرواية صحيحة.

-      وابن خُزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( لا يسمعُ صوتَهُ شجرٌ ولا مَدَرٌ ولا حَجَرٌ ولا جِنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له ):
المدر: الطين الصلب المتجمد

  -  وهنا قال: ( إلا شهد له )، وفي الرواية الأخرى: ( إلا شهد له يوم القيامة )، والمؤذن يُشْهَد له في الدنيا أنه على الفطرة، وأنه شهد بالحق، ولذلك لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يؤذن فقال: الله أكبر الله أكبر، قال: ( على الفطرة )، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: ( شَهِدَ بِالحَقّ )، فالمؤذن يُشهد له في الدنيا، وكل ما كان في مدى صوته يشهد له يوم القيامة بالتوحيد وبأنه قام بهذه العبادة.

  -   أيضًا: لرفع المؤذن صوتَه فائدة أخرى، وهي أن كل من سمع أذانه من عباد الله الصالحين يُردّد الأذان، فيقول مثل ما يقول المؤذن، والذي تَسَبَّب هو المؤذن، فله أجر كل من ردد أذانه.

شرح حديث: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم


[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( لو يعلم الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَسْتَهِموا عليه؛ لاسْتهموا، ولو يعلمون ما في التَّهجيرِ؛ لاسْتَبَقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبحِ؛ لأتوهما ولو حَبْواً ). رواه البخاري ومسلم.

-      ( لو يعلم الناسُ ): وهذا عامّ أريد به الخصوص، وهم المسلمون.
-      ( ما في النداء ): أي ما في الأذان.
-       ( والصف الأول ): وسيأتي الكلام عن الصف الأول إن شاء الله ما المراد به.

-      تلحظون هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين ما فيه، وفيه إشارة إلى عظيم فضل الأذان وعظيم فضل الصف الأول، كأن النبي صلى الله عليه وسلم يشعرنا أن فضائلهما لا تُحصر، ولذلك لم يبين هذا الفضل، فيدخل فيه الخير والبركة وعظيم الثواب، كلها تدخل في هذا.
يعني: لو يعلم الناس ما فيه النداء والصف الأول من الخير لهم والبركة في حياتهم وعظيم الثواب وعظيم ما يلقونه عند لقاء الله عز وجل ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا.

-      ( إلا أنْ يَسْتَهِموا عليه ): أي إلا أن يقترعوا عليه.
والمقصود: إذا لم يكن لأحدهم أولوية، أما إذا كان لأحدهم أولوية شرعًا فإنه يقدَّم، يعني: لو ازدحم اثنان على الأذان وأحدهما صيّت حسن الصوت وكان الآخر خفيض الصوت ضعيف الصوت، فلا نقرع بينهما، وإنما نقدّم من كان صيّتا حسن الصوت؛ لأن له الأولوية شرعًا.
ولو ازدحم اثنان على مكان في الصف الأول، وكان أحدهما قد سبق بخطوة، وجاء الثاني من وراءه يسعى حتى وقف بينه وبين المكان وقال نقترع، قلنا: لا، المكان للسابق.
أما إن لم تكن هناك أولوية فإنه يُقْرَعُ بينهما، وصل اثنان إلى مكان في الصف الأول في نفس الوقت وتشاحا في المكان، فإنه يُقرع بينهما ومن خرجت له القرعة فالمكان له.

-      وهذا دليل على مشروعية القرعة.

-      ( إلا أن يستهموا عليه ): (عليه) جاء بضمير المفرد، وهو عائد إلى النداء والصف الأول، فيكون المعنى: (عليه) أي على المذكور؛ لأن الغالب أنه لا يقع التزاحم على الاثنين، وإنما يقع إما على الصف الأول أو على الأذان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( عليه ).
وجاء في رواية عند عبد الرزاق: ( عليهما )، وهذه ظاهرة.

-      وهذا دليل على فضل الأذان، وأن الأذان من أفضل الأعمال، حتى أنه لو احتاج الناس أن يقترعوا عليه لاقترعوا.

-      ذكر الطبري أنه في يوم القادسية أصيب المؤذن الراتب، فتشاح الناس وتشاجروا على الأذان، فأَقْرَعَ بينهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

-      وفيه دليل على فضيلة التبكير إلى المسجد والصف الأول، وأن السبق إلى الصف الأول من أفضل الأعمال لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

-      والسبق للأجساد لا للسجاد، أن يبكّر الإنسان بنفسه ليكون من أهل الصف الأول، أما أن يتأخر في بيته ويرسل سجادة أو يوصي زميله بأن يجلس ويتسع في جلوسه حتى يُبْقِي له مكانا إذا جاء فليس من المشروع؛ لأنه أولًا لم يفعل ما طلب منه شرعا وهو التبكير إلى الصف الأول، وثانيا: لأنه قد غَصَبَ المكان من مستحقه، لأنه قد يأتي إنسان قبله، ويجد المكان مفروشًا بالسجاد، أو يجد الرجل قد توسع في المكان.
قال ابن تيمية لما تكلم عن مسألة وضع الفرش في المساجد لحجز المكان، قال: " والصحيح أن لغيره أن يرفع فراشه من مكانه ويصلي فيه لأن هذا السابق يستحق الصلاة في ذلك المكان المتقدم، لكن ينبغي أن يُرَاعَى في ذلك أن لا يؤول إلى منكر أعظم منه ".

-      وقد نص العلماء على أن المبكر إلى المسجد حتى لو لم يصل في الصف الأول إذا لم يُفَرّط أفضل ممن جاء متأخرا وصلى في الصف الأول.
يقول ابن عبد البر رحمه الله: " لا أعلم خلافا بين العلماء أن من بكّر وانتظر الصلاة وإن لم يصلّ في الصف الأول أفضل ممن تأخر عنها ثم صلى في الصف الأول "، وهذا يكون من غير تفريط الـمُبَكّر إلى المسجد في الصف الأول.

-      ( ولو يعلمون ما في التَّهجيرِ لاسْتَبَقوا إليه ): التهجير هو الذهاب إلى المسجد في وقت الهاجرة، والهاجرة هي شدة الحر في منتصف النهار، ولذلك قال بعض العلماء: المقصود بالتهجير التبكير إلى صلاة الظهر.
وقال بعض أهل العلم: المقصود التبكير إلى صلاة الجمعة.
وقال بعض العلماء: بل تدل على التبكير لكل صلاة من باب أولى، لأن الذي يبكر إلى الصلاة وقت شدة الحر من باب أولى أن يبكر إلى الصلاة في غير هذا الوقت.
والشاهد: أنها من جهة النص: صلاة الظهر، وفي هذا فضيلة للتبكير إلى صلاة الظهر وقت اشتداد الحر، ومن حيث المعنى تشمل كل صلاة، ففي الحديث فضيلة التبكير إلى الصلوات.

-      ( ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ): تسابقوا إلى التبكير لعظيم ما فيه من الفضل.

-      ( ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبحِ؛ لأتوهما ولو حَبْواً ): صلاة العشاء والصبح في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لأتوهما )، فهذا الفضل العظيم المخبّأ لعظمه إنما هو لمن يذهب للمسجد ليصلي العشاء أو الفجر.

-      وقد اختلف العلماء في تسمية العشاء بالعتمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم يسمونها العَتَمَة وإنما هي العشاء فقولوا العشاء ).
فذهب بعض أهل العلم إلى كراهة أن تسمى العشاء عتمةً، إلى اليوم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما ورد في النصوص فيصْرف النهي إلى الكراهة.
وقال بعض أهل العلم: النهي في أول الأمر قبل أن يستقر اسم صلاة العشاء في نفوس الصحابة، فلما استقر اسم صلاة العشاء صار لصلاة العشاء اسمان: صلاة العشاء والعتمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها كما معنا هنا، فهذا تسمية من النبي صلى الله عليه وسلم.

-      لماذا خص النبي صلى الله عليه وسلم العشاء والصبح بهذا الفضل؟
قال العلماء: لثقلهما، لأن العشاء يكون وقت غلبة الضعف والنوم على العامل، الذي يعمل طوال النهار وهذا الأصل في الرجل، فإذا رجع إلى البيت عند المغرب واستراح وتعشى يغلب عليه الضعف، يصيبه الضعف والنوم والنعاس، فالذهاب إلى المسجد إذ ذاك ثقيل، والفجر أيضا يكون بعد النوم، فكون الإنسان يستيقظ من نومه ويتوضأ ثم يخرج إلى المسجد هذا ثقيل، فَقَابلَ هذا الثقلَ عظيمُ الثواب.
ولذلك صلاة العشاء والفجر أثقل الصلوات على المنافقين كما ثبت في الصحيحين، فالمبادرة إليهما علامة على الإيمان: أولًا: لثقلهما على النفس، وثانيًا: لأن الرياء فيهما أضعف، خاصة في الزمان السابق، فرؤية الإنسان في العشاء وفي الفجر أقل من رؤيته في بقية الصلوات، فالداعي إلى الرياء أضعف، فلا يجعل العبد يقوم إليهما إلا الإخلاص والإيمان.

-      وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، فإذا صليت العشاء في جماعة: صَحَّت صلاتك، ونلت ثواب القيام بالواجب، والذي هو أداء الصلاة المفروضة في المسجد للرجال، ونلت ثواب الجماعة، ونلت ثواب قيام نصف الليل.
ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كمن قام الليل كله، من أوله إلى آخره.
فإذا صليت العشاء والفجر في جماعة نلت صحة الصلاة، وثواب الواجب، وثواب الجماعة، وثواب قيام الليل كله، فإذا أنعم الله عليك وقمت فعلًا من الليل فهذا ثواب آخر يضاف إلى هذه الأجور الكريمة.
والحديث الذي دل على هذا عند مسلم في "الصحيح".

والمؤمن حتى لو لم يعلم أن أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة واجب عليه يكفيه أن يسمع هذا الحديث ليحرص أيما حرص على أن يصلي العشاء في جماعة والفجر في جماعة.

الخميس، 19 مارس 2020

شرح حديث: ( وددت أَنا قد رأينا إخواننا ) ... ( فإِنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم


وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى المقبرة فقال: ( السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤْمنين، وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون، وددْتُ أَنّا قد رأينا إخوانَنا )، قالوا: أوَلَسْنَا إخوانَكَ يا رسولَ الله؟ قال: ( أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لَم يأتوا بعدُ )، قالوا: كيف تَعرِفُ من لم يأتِ بعدُ مِن أمَّتكَ يا رسولَ الله؟ قال: ( أرأَيتَ لو أنّ رجلاً له خيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلة، بين ظَهرَيْ خَيلٍ دُهْمٍ بُهمٍ، ألا يَعرِفُ خَيلَه؟ )، قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: ( فإِنّهم يأتونَ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن الوُضوءِ، وأنا فَرَطُهُم على الحوضِ ).
رواه مسلم وغيره.

-      كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزور البقيع ليلاً ونهارًا.

-      زيارة القبور للرجال سنة، ومن الخير للمؤمن عدم إطالة عهده بالمقابر.

-      تحية الأموات من المسلمين كتحية الأحياء، ويسن لزائر المقبرة أن يبدأ بالسلام قبل الدعاء.

-      (السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤْمنين ): أي: السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين.
وهم كذلك لاعتبارين: باعتبار ما كانوا عليه فهم كانوا أهل إيمان، وباعتبار ما هم فيه، فهم في حال الإيمان المطلق، فمن مات قامت قيامته وآمن بما يكون.

-      ( وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون ): جملة "إن شاء الله" ليست متعلقة بالموت فإن هذا يقين وإنما متعلقة بالقُرْب.
وقال بعض أهل العلم أنها متعلقة بالحال وهو الإيمان، فيكون المعنى: وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون على الإيمان، والإنسان لا يدري حال الموافاة.
وقيل بل متعلق بكمال الإيمان، فالإيمان شعب، والإنسان قد لا يأتي بكل شعب الإيمان.
والاستثناء في الإيمان على سبيل الشك لا يجوز، ولا يجوز قول: أنا لا أدري هل أنا مؤمن أم لا؟
أما الاستثناء المتعلق بالموافاة أي الحال عند الموت فجائز.
وكذلك الاستثناء من إكمال الإيمان جائز عند أهل السنة والجماعة.

-      ( وددْتُ أَنّا قد رأينا إخوانَنا ):
في رواية عند أبي يعلى والطبراني: (متى ألقى إخواني؟ )
وفي هذا جواز تمني الخير.

-      وفيه أن تمني الخير ولو كان ليس واقعًا ليس اعتداءً وهو جائز.

-      وفيه مشروعية تمني لقاء الأخيار وأهل الفضل.

-      وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى أحدًا بعد وفاته.

-      " أوَلَسْنَا إخوانَكَ يا رسولَ الله؟ قال: ( أنتم أصحابي ) ":
الصحابة لهم منزلة أعلى فلهم الأخوة مع الصحبة، والصحبة أعلى، فهم مؤمنون والنبي صلى الله عليه وسلم مؤمن، قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }.

-      ( وإخوانُنا الذين لَم يأتوا بعدُ ): أي الذين أمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه، وقيل هم الذين آمنوا به في آخر الزمان، والصحيح أنه يشمل الجميع.

-      جاء عند الإمام أحمد: قال صلى الله عليه وسلم: ( طُوبى لمَن رَآني وآمَنَ بي، وطُوبى -سَبعَ مَرَّاتٍ- لمَن لم يَرَني وآمَنَ بي )[1].
قال صلى الله عليه وسلم: ( طوبى شجرةٌ في الجنَّةِ، مسيرةُ مائَةِ عامٍ، ثيابُ أهلِ الجنةِ تخرجُ مِنْ أكْمامِها )[2].

-      أفضل إخوان النبي صلى الله عليه وسلم طرفان:
1-   من كان في صدر الإسلام بعد الصحابة، وهم التابعون وتابعوا التابعين.
قال صلى الله عليه وسلم ( طوبَى لِمَنْ رآني، ولِمَنْ رأى مَنْ رآني، ولِمَنْ رأى مَنْ رأى مَنْ رآنِي ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3927).
2-   من تمسك بدين النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان وعمل بسنته.
-      قال صلى الله عليه وسلم: ( طوبى للغرباءِ، أناسٌ صالِحونَ في أناسٍ سوءٍ كثيرٍ، مَنْ يَعصيهم أكثرُ ممَّنْ يُطِيعُهُمْ )[3].
-      قال صلى الله عليه وسلم: ( فإنَّ من ورَائِكُمْ أيَّامَ الصبرِ، الصَّبْرُ فيهِنَّ مثلُ القَبْضِ على الجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فيهِنَّ مثلُ أَجْرِ خمسينَ رجلًا يعملونَ مِثْلَ عملِهِ ).
رواه ابن ماجه، والترمذي، وأبو داود، وزاد:
قيل: يا رسول الله أجرُ خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: ( بل أجر خمسين منكم )[4].
وليس معنى هذا أن العامل الذي له أجر خمسين أفضل من الصحابة، بل المقصود زيادة الثواب مثل أجر خمسين من الصحابة، ولو أنفق أحدنا مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدّ أَحَد الصحابة ولا نَصِيفَه.
والقول بأنه قد يوجد بعد الصحابة من يساوي الصحابة في الفضل أو يفضلهم تفضيلاً مطلقًا قول ضعيف، وقد يتميز بِـمَيزة ولكن ليس أفضل من الصحابة، كأويس القرني الذي تميز بإجابة دعائه.
-      قال صلى الله عليه وسلم: ( مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ ) رواه مسلم (2832).

-      ( غُرٌّ مُحَجَّلة ): الغرة في الوجه، وأصلها بياض في جبهة الفرس، وهي من صفات الجمال، والتحجيل بياض في اليدين والرجلين.

-      ( بين ظَهرَيْ خَيلٍ دُهْمٍ بُهمٍ ): أي وسط خيل دُهْمٍ، أي: سوداء، بُهُم: أي: لا يـخالط سوادها بياض.

-      ( فإِنّهم يأتونَ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن الوُضوءِ ): فيه أن هذه الصفة خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه أن غير المتوضئ ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون دليلاً للقائلين بكفر تارك الصلاة، فإنه لا يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم من الغرة والتحجيل من آثار الوضوء.

-      ( وأنا فَرَطُهُم على الحوضِ ): أي مُتَقَدّمهم على الحوض.

-      الإيمان بالحوض فرض، ولكل نبي حوض، ونبينا صلى الله عليه وسلم يُختص بالحوض الأعظم، والأنبياء عليهم السلام يتباهون أيهم أكثر وارِدَة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ لِكلِّ نبيٍّ حَوضًا وإنَّهم يتباهونَ أيُّهم أَكثَرُ واردةً، وإنِّي أرجو أن أَكونَ أَكثرَهم وارِدةً )[5].

-      وطول حوض النبي صلى الله عليه وسلم مسيرة شهر، وهو حوض مربع عرضه مسيرة شهر كطوله، وماؤه أبيض من الفضة، وأباريقه كنجوم السماء في الكثرة، وماؤه أحلى من العسل، يسيل فيه مِيزابان من الجنة، مِيزاب من ذهب وميزاب من فضة، تَرِدُ عليه أمة محمد يشربون منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا.

-      وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ )، فأقُولُ: ( إنَّهُمْ مِنِّي )، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: ( سُحْقًا سُحْقًا لِمَن غَيَّرَ بَعْدِي )[6].
وفي رواية: فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: ( سُحْقًا سُحْقًا لِمَن بَدَّلَ بَعْدِي )[7].
(أعْرِفُهُمْ) أي أعرفهم بصفتهم، فهم كانوا يصلون، فصفتهم بالغرة والتحجيل موجودة، ولكنهم يُذَادَوْنَ عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
( إنَّهُمْ مِنِّي ): أي من أمتي.
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء. قال: وكذلك الظَّلَمَةُ المسرفون المترفون في الجَوْر، وطَمْسِ الحق، والمعلنون بالكبائر.


-      ثلاث فضائل لإتمام الوضوء:
1-  أهل الوضوء يُدعَوْن يوم القيامة غرًا محجّلين.
2-  الحِلْية في الجنة تبلغ منهم بمقدار اتمامهم لوضوئهم.
3-  النبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم بهذه الصفة.

فينبغي أن:
نتعلم الوضوء
وأن نعتني بالوضوء ونتعاهد أعضاء الوضوء فلا نتساهل فيه
وأن نحرص على السنة.

وعن زِرٍّ عن عبد الله رضي الله عنه؛ أنّهم قالوا: يا رسولَ الله كيفَ تَعرفُ مَن لَمْ تَرَ مِن أمّتك؟ قال: ( غُرٌّ مُحَجَّلون بُلْقٌ من آثارِ الوُضوءِ ).
-      بُلق جمع أبلق، وهي التي تكون فيها سواد وبياض، وهذا تفسير للغرة والتحجيل من آثار الوضوء.




[1]  أخرجه أحمد (22214) واللفظ له، والطيالسي (1228)، وابن حبان (7233).
قال شعيب الأرناؤوط في "تخريج المسند" (22214): حسن لغيره.
قال صلى الله عليه وسلم: ( طوبى لِمَنْ رآني وآمنَ بي مرَّةً، وطوبِى لِمَنْ لم يراني وآمنَ بي سبعَ مرَّاتٍ ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3924).
[2]  حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3918).
[3] أخرجه أحمد (6650)، والطبراني (13/363) (14178)، والبيهقي في ((الزهد الكبير)) (203).
[4] ذكر الألباني في "صحيح الترغيب" (3172) أنه صحيح لغيره.
[5] صححه الألباني "صحيح الترمذي" (2443).
[6] صحيح البخاري (6583).
[7] صحيح البخاري (7050).

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان