الأربعاء، 26 يوليو 2023

شرح حديث ( سيكون في آخرِ الزمانِ قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة ) - الشيخ سليمان الرحيلي - 1439هـ


بسم الله الرحمن الرحيم



شرح حديث

 

1439هـ

 

للتحميل أو الاستماع

 

[حسن] وعن عبدِ الله -يعني ابنَ مسعودٍ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( سيكون في آخرِ الزمانِ قومٌ يكون حديثهم في مساجدِهم، ليس لله فيهم حاجةٌ ).

رواه ابن حِبّان في "صحيحه".

 

-     هذا الحديث الذي صححه ابن حبان إذ رواه في "الصحيح"، وحسنه الامام الألباني، ودرس إسناده دراسة جيدة وبَيّن بهذه الدراسة أن إسناده حسن، فيه ما يتعلق بالحديث في المساجد.


-     وقد جاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حِلَقًا حِلَقًا، إمامُهم الدنيا، فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة )، رواه الطَّبراني وذكره الألباني في "الصحيحة"، رُوي هذا مرفوعا وموقوفا، والظاهر والله أعلم أن في إسناده ضعفا، سواء المرفوع أو الموقوف، لكن الشيخ الألباني رحمه الله قواه وذكره في "السلسلة الصحيحة".


-     أما ما يروج على ألسنة العوام، ويرسله بعض الناس في وسائل التواصل الاجتماعي حيث يُزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحديث في المساجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش "، وفي رواية عندهم: " الكلام المباح في المساجد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطب " فهذا لا أصل له بلفظيه، بل هو موضوع، لا يجوز أن يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.


-     قال: وعن عبدِ الله -يعني ابنَ مسعودٍ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( سيكون في آخرِ الزمان ). وهذا مما يكون بين يدي الساعة حيث يبعد العهد بزمن الخير والنبوة.


-     ( سيكون في آخر الزمان قوم ) من المسلمين؛ لأنهم يدخلون المساجد.


-     ( يكون حديثهم ) أي حديث الدنيا ( في مساجدهم ).


-     ( ليس لله فيهم حاجة ): الله عز وجل لا يحتاج عباده جميعا، لا يحتاج الطائعين ولا يحتاج العاصين سبحانه وتعالى، بل هو الغني غنى مطلقا، ولكن هذه الجملة تُطلَقُ ويُرادُ بها التحذير من الأمر، مع عدم الثواب، يعني إذا وجدت هذه الجملة في حديث من الأحاديث فاعلم أن المعنى هو التحذير مما ذُكِر في الحديث مع عدم الثواب أو نقصه، مثل ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )، هذا تحذير للصائم من أن يقول زُورا، أو يعمل زُورا، وبَيان أن هذا يُذهب أجر الصائم، قد يُذْهبهُ بالكُلّية، وهنا أيضا هذا تحذير من أن يجعل المسلم حديثه في المسجد عن الدنيا، وبيان أن هذا يُذهب أجره في المسجد، لا يكون له أجر في المسجد، ما دام أن حديثه من أجل الدنيا.


-     والحديث في المسجد على قسمين:

القسم الأول: حديثٌ مشروع، كالعلم، أن يتحدث اثنان في العلم، ولو في أحكام أمور دنيوية، يتحدث شخصان في أحكام البيوع، في شروط البيع، في أحكام الإجارة، هذا مشروع، حديث مشروع، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتحدث مع آخر يأمره بالمعروف، أو ينهاه عن المنكر، أو للنصيحة الشرعية، فهذا جائز في المسجد بل مشروع، يُشرع للإنسان أن يعلّم وهو في المسجد ويتحدث مع الناس بالعلم، وأن ينصح وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

والقسم الثاني: أحاديث الدنيا، وهذه على نوعين:

النوع الأول: أحاديث الدنيا المحرمة كالكذب والغِيبة والنميمة، فهذا أشد حرمة في المسجد، الكذب في المسجد أشد حرمة من الكذب في الشارع،
الغيبة في المسجد أشد حرمة من الغيبة في الشارع، النميمة في المسجد أشد حرمة من النميمة في الشارع.

والنوع الثاني: حديث الدنيا المباح، فهذا قد اختلف فيه العلماء، فذهب الأحناف إلى حرمته، قالوا يَحرم أن يتحدث المسلم في المسجد بأحاديث الدنيا المباحة، حرام، لأن المساجد لم تُبْنى لهذا، إنما بُنيت للصلاة ولذكر الله عز وجل، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن أحاديث الدنيا في المسجد مكروهة، يُكره للمسلم أن يتحدث بحديث الدنيا في المسجد، وذهب الشافعية إلى أنه مباح.

والراجح والله أعلم أن أحاديث الدنيا:

إن كانت قليلة يسيرة فهي جائزة بلا كراهة، دخل المسلم فوجد أخاه فسلم عليه وسأله عن حاله وعن حال والديه وعن حال أسرته، هذا ما فيه بأس، هذا لا بأس به، هذا قليل، وإن كان بقصد حسن، كإذهاب هَمّ المسلم، أو إدخال السرور على قلبه، رأى أخاه مهموما مغموما وضع على وجهه الهم الشديد فأخذ يحدثه وربما ذكر له قصة مضحكة مرت به من أجل أن يُذهب همه، فهذا جائز بل يلتحق بالقسم الأول في الحقيقة لأنه بالقصد الحسن صار مشروعا وإن كان من أحاديث الدنيا، وإدخال السرور على المؤمن من الأعمال الصالحة.

وإن كان أكثر من القليل لكنه لا يؤذي عُمّار المسجد، فهو مباح، ولا بأس به؛ فقد جاء في حديث جابر بن سَمُرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقوم من مُصَلاه الذي يصلي فيه الفجر - أو قال: الغداة - حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويَتَبَسّم صلى الله عليه وسلم "، رواه مسلم في الصحيح، جابر بن سمرة رضي الله عنه يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر يبقى في مُصَلاه إلى أن تشرق الشمس، فإذا طلعت الشمس قام صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يجلسون معه في المسجد،
فكانوا يتحدثون بأمور الجاهلية، الأمور التي كانت والقصص التي كانت، فيضحكون، يضحك الصحابة مما كان، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسمعهم ويتبسم، ووجه الدلالة أن الحديث في أمر الجاهلية من أمور الدنيا المباحة، وكانوا يتحدثون ويضحكون وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُنكر عليهم بل كان يتبسم صلى الله عليه وسلم إذا سمع حديثهم، وهذا وإن لم يكن قليلا إلا أنه لا يؤذي عمار المسجد، لأنه في وقت النهي عن الصلاة، وكانوا يتحدثون، فإذا كان ذلك كذلك
وكان ليس غالبا ولكنه ليس قليلا ولكن من شأنه أنه لا يؤذي عُمّار المسجد من المصلين والتّالِين والذاكرين فإنه لا بأس به.

أما إذا كان حديث الدنيا يؤذي عُمّار المسجد، من المصلين والتّالِين، مثلا بعض الناس اليوم ما يتحدث مع أحد في المسجد، يتحدث مع أحد خارج المسجد بالهاتف، ويتحدث ونحن هنا في المسجد النبوي، يعني اللغات كثيرة، وبعض الناس يرفع صوته ويؤذي قارئ القرآن، تجد أن قارئ القرآن وقف، والمصلي أشتغل ذِهْنه، فهذا حرام؛ لأن أذية المسلمين في مساجدهم فيما شُرِعَت له المساجد حرام، المساجد شُرِعَت لذكر الله
وللصلاة، فالذي يؤذي المصلين في المسجد، أو يؤذي التّالين للقرآن في المسجد، أو يؤذي الذاكرين الله في المسجد، فإن هذه الأذية محرمة؛
لأنه إذا كانت أذية المؤمنين في طُرقهم محرمة فمن باب أولى أن أذية المسلمين في مساجدهم فيما شرعت له المساجد تكون محرمة.

أما فيما عدا ما ذكرنا وفَصّلنا فحديث الدنيا مكروه في المسجد، وينبغي للإنسان أن يُجَنّب نفسه هذا الأمر.

 

الجمعة، 21 يوليو 2023

شرح حديث ( .. ولا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكرٍ أو صلاة ) - الشيخ سليمان الرحيلي - 1439هـ


بسم الله الرحمن الرحيم



شرح حديث

 

1439هـ

 

للتحميل أو الاستماع

 

[حسن صحيح] ورَوى عنه [يعني ابن عمر] الطَّبَراني في "الكبير": أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( .. ولا تتّخذوا المساجدَ طُرُقاً إلا لذِكرٍ أو صلاة ). وإسناد الطبراني لا بأس به.

 

-     هذا الحديث قال فيه الألباني: حسن صحيح.

-     عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تتخذوا المساجد طرقا ): ما معنى هذه الجملة؟

قال أكثر أهل العلم: معناها لا تتخذوا المسجد ممرا تدخلون من باب وتخرجون من باب، لا تجعلوا المسجد ممرا تجتازونه، تدخلون من باب وتخرجون من باب،

فهذا نهي عن اتخاذ المسجد ممرا لنصل إلى حاجاتنا، تريد أن تمر إلى السوق فبدلا من أن تلف حول المسجد تدخل من باب وتخرج من باب آخر،

وهذا نهي عن اتخاذ المساجد طرقًا لأن هذا يخالف ما بُنيت له المساجد، والأصل في المؤمن أنه يقصد المسجد ليصلي أو يذكر الله، أما أن يدخل المسجد ليمر فهذا منهي عنه.

-     والمرور في المسجد إن كان لمصلحة الصلاة فهذا لا حرج فيه وجائز، مثال ذلك: إنسان جاء مثلا إلى المسجد ويريد أن يتوضأ، ودورة المياه في الجهة المقابلة، يجوز أن يدخل مع باب المسجد ليخرج مع الباب الآخر ليتوضأ، لأن هذا المرور لمصلحة الصلاة، من أجل أن يصلي، مر بالمسجد من أجل أن يصلي، يريد أن يتوضأ ليدخل المسجد ليصلي، فهذا لا حرج فيه.

-     وإن كان المرور للحاجة، للمشقة، فهذا لا بأس به أيضا، رجل كبير في السن، يريد أن يجتاز من مكان إلى مكان حول المسجد النبوي، ولو لم يؤذن له أن يدخل من باب ليخرج من الباب القريب إلى الجهة الثانية يحتاج أن يدور حول المسجد، وهذا فيه مشقة عليه، هو كبير في السن أو مريض أو نحو ذلك، هنا يُرَخّص له ويجوز له أن يمر.

-     أما إن كان لغير عذر فهذا يكره عند الجمهور، يكره عند جمهور العلماء، وذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه،

أن يمر الإنسان بالمسجد يجتازه بدون أن يجلس ليذكر وبدون أن يصلي، أكثر العلماء قالوا هذا مكروه، وبعض أهل العلم قالوا هذا حرام ولا يجوز، والأمر محتمل.

-     وقال بعض أهل العلم: معنى ( لا تتخذوا المساجد طرقا ) أي لا تُصَيِّرُوا المساجد طُرُقا فتفعلوا فيها ما يُفْعل في الطُّرق، من الحديث في أمور الدنيا، والتضاحك، وغير ذلك،

ولكن الأول أظهر، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، النهي أن تُتّخذ المساجد ممرات تُجتاز.

-     قال: ( إلا لذِكرٍ أو صلاة ): إلا أن يدخلها ليذكر ويصلي ثم يخرج، حتى لو كان يريد أن يخرج من الباب الثاني ما فيه إشكال.

وبالتالي هل يُنهى الإنسان أن يمشي في المسجد؟ لا ما ينهى ما دام أنه دخل المسجد ليصلي أو يذكر الله لا حرج في أن يمشي في المسجد، هل ينهى الإنسان عن أن يدخل من باب ويخرج من باب يقابله إذا دخل ليصلي؟ الجواب: لا، دخلت وصليت ركعتين تريد أن تذهب من الباب الثاني لتصل إلى حاجة، اذهب لا حرج،

وإنما المنهي عنه أن يدخل المسجد لا لذكر ولا لصلاة وإنما ليجتاز إلى الجهة الأخرى، فهذا هو المنهي عنه.

الاثنين، 12 سبتمبر 2022

شرح أحاديث النهي عن التشبيك لما كان قاصدا الصلاة في المسجد أو ينتظر الصلاة - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

شرح حديث

 

1439هـ

 

للتحميل أو الاستماع



المراجعة


[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إذا توضّأ أحدكم في بيتِهِ، ثم أتى المسجدَ، كان في الصلاةِ حتى يرجع، فلا يَقُل هكذا -وشَبَّكَ بين أصابعه- ).

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما". وفيما قاله نظر.

 

-     هذا الحديث صححه الشيخ ناصر.

-     وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إذا توضّأ أحدكم في بيتِهِ، ثم أتى المسجدَ، كان في الصلاةِ حتى يرجع ): وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة، أن المسلم منذ أن يخرج من بيته متطهرا قاصدا المسجد فهو في صلاة، فيجري عليه أجر الصلاة، فإذا دخل المسجد وصلى تحية المسجد أو السنة الراتبة إن كان ما صلاها في البيت وقعد فإنه كالقائم الذي يصلي قائما، يُجرى عليه أجر الذي يصلي قائما، ما دام ينتظر الصلاة،

فلو فرضنا أنه صلى العصر ثم قعد في المسجد ينتظر صلاة المغرب فإنه يُجرى عليه أجر الذي يصلي قائما، يعني أنت يا عبد الله إذا جئت من بيتك لصلاة العصر، جئت من البيت، منذ أن تخرج من البيت يُجري عليك ربنا الكريم أجر الصلاة، فإذا دخلت المسجد وقعدت في المسجد تنتظر الصلاة يجرى عليك أجر المصلي القائم، فإذا صليت كذلك، فإذا انتظرت وأنت تريد أن تبقى لصلاة المغرب فإن ربنا الكريم يجري عليك أجر الذي يصلي قائما كأنك قائم تصلي ما بين العصر إلى المغرب، ثم إذا صليت المغرب كذلك، فإن مَنَّ الله عليك فجلست تنتظر صلاة العشاء فإن الله يُجري عليك أجر الذي يصلي قائما إلى أن تصلي العشاء، فإذا خرجت من المسجد فإن الله يجري عليك أجر الصلاة حتى تصل إلى بيتك، وهذا يجعل المسلم يتعلق قلبه بالمساجد، لينال هذا الثواب العظيم.

-     قال: ( فلا يَقُل هكذا -وشبك بين أصابعه- ):

التشبيك بين الأصابع إدخال بعضها في بعض، إدخال أصابع اليدين في بعضهما، يدخل أصابع اليد اليمنى في أصابع اليد اليسرى، هذا هو التشبيك،

-     وفي هذا نهي لمن قصد المسجد أن يشبّك بين أصابعه، وهو في خارج المسجد ماشي إلى المسجد مَنْهِي عن أن يشبك أصابعه.

-     والعلة في هذا أنه في صلاة، وهو في الشارع في صلاة، وهو يمشي في صلاة، ربما يتحدث مع جاره، هو في صلاة، فهو منهي عن أن يشبّك بين أصابعه،

-     وقد ذهب جمهور العلماء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى كراهية أو كراهة أن يشبك قاصِدُ المسجد بين أصابعه، أن هذا مكروه، وذهب المالكية إلى عدم كراهية هذا، والراجح ما عليه الجمهور أن من قَصَدَ المسجد منهيّ عن أن يشبّك بين أصابعه.

-     قال المنذري: "والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما"، وفيما قاله نظر": أي أنه صحيح لكنه ليس على شرط الشيخين.

 [صحيح لغيره] وعن كعب بن عُجْرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( إذا توضأ أحدُكم ثم خرجَ عامداً إلى الصلاةِ، فلا يشبِّكَنَّ بين يديه، فإنه في صلاةٍ ).

رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، والترمذي -واللفظ له- من رواية سعيد المقبري عن رجل عن كعب بن عُجرة، وابن ماجه من رواية سعيد المقبري أيضاً عن كعب، وأسقط الرجل المبهَم.

 

هذا الحديث حكم عليه الشيخ الألباني بأنه صحيح لغيره، وعن كعب بن عُجْرةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى الصلاة ) قاصدا إلى الصلاة، يعني يريد المسجد، ( فلا يشبّكن بين يديه فإنه في صلاة )، وهذا فيه ما تقدم، أن من قصد المسجد يريد الصلاة منهيّ عن أن يشبك بين يديه، فلا يشبّك أصابعه في بعضها.

 

وفي رواية لأحمد قال: "دخل عليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجدِ، وقد شبّكتُ بين أصابعي، فقال: ( يا كعب، إذا كنتَ في المسجد فلا تُشبّكَنَّ بين أصابعِك، فأنتَ في صلاةٍ ما انتظرتَ الصلاة ) ".

ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحو هذه.


-     "دخل عليَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجدِ، وقد شبّكتُ بين أصابعي": هذه الرواية شبّك بين أصابعه وهو في المسجد، الحديثان الأولان: لقاصد المسجد، أما هنا لمن كان في المسجد

-     فقال: ( يا كعب، إذا كنتَ في المسجد فلا تُشبّكَنَّ بين أصابعِك، فأنتَ في صلاةٍ ما انتظرتَ الصلاة ): فدل هذا يا اخوة على أن الذي في المسجد وينتظر الصلاة مَنهيٌّ عن تشبيك أصابعه،

يعني: أنت أتيت ودخلت المسجد، صليت تحية المسجد وجلست، تنتظر الصلاة، مَنْهِي عن أن تشبّك بين أصابعك

صليت العصر وجلست في المسجد تنتظر صلاة المغرب، في نيتك انتظار صلاة المغرب، أنت منهي عن أن تشبك بين أصابعك ما دمت تنتظر الصلاة.

-     وقد ذهب الجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة إلى كراهية التشبيك في المسجد، ما دام ينتظر الصلاة، وذهب المالكية إلى الجواز وعدم الكراهة.

-     ويُفهم من هذه الأحاديث أن تشبيك الأصابع في الصلاة منهي عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علّل، قال: ( فأنت في صلاة )، فكيف إذا كان في الصلاة حقيقة،

وقد اتفق العلماء حتى المالكية هنا على أن التشبيك في الصلاة منهي عنه، لكن جمهورهم على أن هذا للكراهة، وذهب بعض الحنفية إلى أنه للتحريم، وهذا عندي أظهر والله أعلم، أن التشبيك في الصلاة محرم، وإن كان جمهور الفقهاء على أنه مكروه، وإنما قال بعض الحنفية إنه مكروه كراهية تحريم،

لأن ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما يدل على التحريم، فإن علة النهي عن التشبيك، اختلف فيها العلماء:

فقال بعض أهل العلم: لأن التشبيك من أفعال الشيطان، لكن الحديث الوارد في هذا ضعيف، أيضا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شبّك بين أصابعه، فهذا التعليل غير صحيح.

وقال بعض أهل العلم: لأن التشبيك يدعو إلى الكسل والنوم، وهذا أيضا ضعيف بعيد.

وقال بعض أهل العلم: لأن التشبيك في حال العبادة تشبّه باليهود في حال عبادتهم، فقد سُئِل ابن عمر رضي الله عنهما عن الرجل يصلي وهو مشبّك يديه، فقال: "تلك صلاة المغضوب عليهم"، رواه أبو داود وصححه الألباني.

فابن عمر سُئل عن صلاة الرجل وهو مشبك أصابعه، وهو يصلي، فقال تلك صلاة المغضوب عليهم، يعني تلك صلاة اليهود، هكذا يفعلون في عبادتهم، ولا شك أن التشبه باليهود في العبادة حرام، ولذلك يظهر والله أعلم أن تشبيك الأصابع حال الصلاة محرم، وحال قصد الصلاة أو انتظار الصلاة مكروه.

وأنا لم أقف على من قال إنه حرام أعني حال قصد الصلاة أو انتظار الصلاة، أما حال الصلاة فقلت لكم إن بعض الأحناف نصوا على أنه حرام وهذا عندي أقرب والله أعلم.

 

-     فهذه الأحاديث تدل على أن التشبيك في الصلاة منهي عنه، سواء كان الإنسان في الصلاة حكماً أو حقيقةً، متى يكون في الصلاة حكما؟ إذا كان قاصدا أو كان ينتظر، ومتى يكون حقيقة؟ إذا كان يصلي.

-     أما إذا فرغ من الصلاة فإنه يجوز له أن يشبّك بين أصابعه ولو في المسجد.

فرغ من الصلاة ويريد أن يخرج لكن جالس في المسجد ثم يريد أن يخرج ما ينتظر الصلاة التالية، يجوز له أن يشبك بين أصابعه، لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، وشبّك بين أصابعه، هذا معروف في حديث ذي اليدين، لما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين، نسيانا، ثم قام إلى ناحية المسجد، واتكأ على خشبة معروضة في المسجد، وشبك بين أصابعه، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا شبك بين أصابعه وهو في المسجد، لأنه يظن أنه انتهى من الصلاة، سلم من ركعتين، الصلاة رباعية إما العصر أو الظهر، سلم من ركعتين ظانا أنه انتهى من الصلاة سهوا منه صلى الله عليه وسلم، فشبّك بين أصابعه، فدل ذلك على أن من قضى صلاته يجوز له أن يشبك بين أصابعه ولو كان في المسجد.

هذا الذي يظهر والله أعلم.


__________________________________________________


 

مراجعة تمت في مقدمة الدرس اللاحق:

 

-     قلنا ان التشبيك هو إدخال أصابع إحدى اليدين في الأخرى، أن يُدخل أصابع إحدى اليدين في الأخرى.

-     وتحصل عندنا أن التشبيك إن كان في الصلاة الحقيقية حيث يصلي المسلم فهذا حرام لأنه تشبه باليهود في صلاتهم.

-     وإن كان في الصلاة الحُكمية وذلك إذا كان الانسان قاصدا الصلاة، توضأ مثلا في بيته ثم خرج قاصدا الصلاة فهو في صلاة حكمًا كما سيأتينا اليوم إن شاء الله عز وجل، وكذلك إذا كان ينتظر الصلاة قبل إقامة الصلاة أو كان ينتظر الصلاة بعد الصلاة.

فالتشبيك في الصلاة الحكمية مكروه، وذلك أن الصلاة الحكمية أخف من الصلاة الحقيقية؛ ولذلك يجوز فيها الكلام والاكل والشـرب وغير ذلك من المباحات، فهي أخف من الصلاة الحقيقية.

-     ويستثنى من الكراهة هنا التشبيك من أجل التعليم والبيان، فإنه يجوز، لو كان الانسان يمشي من بيته مع أخيه وذكر لأخيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان ) وشبك بين أصابعه تعليمًا وبيانًا، فإن هذا جائز ولا حرج فيه وليس مكروها.

-     وإن كان المصلي قد فرغ من صلاة الفريضة وبقي في المسجد لكنه يريد أن يخرج منه قبل الفريضة التالية فإنه يجوز له أن يشبك أصابعه ولا حرج في هذا.



السبت، 27 أغسطس 2022

شرح أحاديث في الترهيب من إنشاد الضالة في المسجد - الشيخ سليمان الرحيلي

 بسم الله الرحمن الرحيم


شرح حديث

 

1439هـ

 

للتحميل أو الاستماع



[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( مَن سَمعَ رجلاً يَنْشُدُ ضالةً في المسجدِ فلْيقُلْ: لا ردَّها الله عليك، فإنّ المساجد لم تُبْنَ لهذا ).

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع رجلا يَنْشُد ): أي يطلب برَفْعِ صَوْت.

- ( ضالة ): الضالة في الأصل هي الضائع المفقود من الحيوان، ويُلْحَق بالحيوان في الحكم كل ما يُعتَنَى به عند فَقْدِه، كالنقود، والكتب، ونحو ذلك؛ فإن الحكمة واحدة، من نَشَدَ عن الجمل في المسجد مثله من نَشَدَ عن الكتاب في المسجد، أو نشد عن المال في المسجد، فإن المساجد لم تُبنَ لهذا.

- ( فليقل: لا ردها الله عليك ): هذا يقال بصوت مسموع، عقوبةً له وزجراً لغيره، ما لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم، فإن الإنسان إذا رأى أنه يترتب على قولها بصوت مسموع مفسدة يقولها في نفسه، بحيث يُسْمِع نفسه، يعني الأصل لو جاءنا شخص في المسجد وقال: من رأى الجمل الأحمر؟ من رأى البقرة الصفراء؟ أن نقول: "لا ردها الله عليك"، عقوبة له وزجرا لغيره، لكن إذا كان سيترتب على ذلك مفسدة، مثلا رأينا عليه الجهل، ولو قلنا "لا ردها الله عليك" لن يعود إلى المسجد ولن يدخل المسجد فهذه مفسدة عظيمة، فنقول سرا "لا ردها الله عليك"، أو مثلا رأينا فيه من الجهل أنا لو قلنا "لا ردها الله عليك" قال وأنتم لا رد الله أولادكم وفعل بكم وفعل، وأخذ يرفع صوته في المسجد، فلا نرفع أصواتنا، وإنما نقول سرا "لا ردها الله عليك".

- ( فإن المساجد لم تُبن لهذا ): هل هي من تمام القول أو تعليل للقول؟ الأمر محتمل للوجهين، .. .

- المساجد إنما بُنيت لتُعمر بذكر الله، وبالصلاة، ولم تُبن للسؤال عن الضالة، والبحث عن الأموال، ويدخل في هذا الأوراق التي تُكتب داخل المسجد، يكتب ورقة ويعلقها في جَدر المسجد، فقدت كتابا فقدت مفتاحا، فقدت إقامة، هذا لا يجوز.

- أما في خارج المسجد ما فيه بأس، أن يكتب الإنسان ورقة على باب المسجد من الخارج أو حائط المسجد من الخارج، فهذا لا بأس به، أما في داخل المسجد فلا يجوز بأي صورة من الصور، فإن المساجد لم تُبن لهذا.


[صحيح] وعنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( إذا رأيتُمْ مَن يَبيعُ أو يَبْتاعُ في المسجِد فقولوا: لا أرْبَحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتُم من يَنشُد [فيه] ضالّةً فقولوا: لا [ردّ] الله عليك ).

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، والنسائي وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه بالشطر الأول.

هذا الحديث حكم عليه الشيخ الألباني بأنه صحيح.

-     "وعنه": أي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا، لا أرْبَحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتُم من يَنشُد [فيه] ضالّةً فقولوا: لا [ردّ] الله عليك".

-     ( من ينشد [فيه] ): (فيه)، هذه لا بد منها، لفظ الحديث عند الترمذي: (ينشد فيه ضالة).

-     ( فقولوا: لا ردّ الله عليك ): ليس: لا ردها.

-     "رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب": لم يقل: حديث حسن صحيح، بل: حديث حسن غريب

-     "والنسائي": أي في الكبرى، لم يروه في الصغرى

-     "وابن خزيمة والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم": ووافقه الذهبي.

-     "ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه بالشطر الأول": لفظه عند ابن حبان: ( إذا رأيتم الرجل يبيع ويشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك ).

 

-     قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع ): يبيع: هو البيع المعروف، يبتاع: يعني يشتري.

-     ( في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك): دعاء عليه بأن لا يربح، والأصل أن يُقال هذا جهرا كما قلنا، إلا إذا ترتب على القول مفسدة، فإنا نقول ذلك سرا.

-     وفي هذا دليل على أن البيع في المسجد حرام، فإنه لو لم يكن حرامًا لما استحق فاعله هذا الدعاء.

وما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن البيع في المسجد مكروه مرجوح، بل الراجح رُجْحانا بَيّنًا أن البيع في المسجد حرام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع في المسجد.

-     ( وإذا رأيتم من يَنْشُد فيه ) أي في المسجد ( ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك )، فإما أن نقول لا ردها الله عليك أو لا رَدَّ الله عليك.

-     وهذا يدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن المساجد لم تُبن لهذا ) تعليل وليس من تمام الكلام، فإنه لم يرد هنا، فدل على أن القول الذي أُمرنا أن نقوله هو: "لا رد الله عليك" أو "لا ردها الله عليك"، وعلة هذا القول أن المساجد لم تُبن لهذا.


[صحيح] وعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه: أن رجلاً نَشَد في المسجد، فقال: مَن دعا إلى الجملِ الأحمرِ؟ فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا وَجَدتَ، إنما بُنيَتِ المساجدُ لما بُنِيتْ له".

رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.

 

-     هذا الحديث الصحيح في صحيح مسلم فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما أمرنا به، فإن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر، من وجد الجمل الأحمر، من نادى على الجمل الأحمر؟

-     فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( لا وجدتَ ): وهذا دليل على أن القول ليس توقيفيا، بل يقول الإنسان ما يَردّ به عليه، لا ردها االله عليك، لا رد الله عليك، لا وجدت، ما وجدتها، أو نحو ذلك، يعني ليس توقيفيا.

-     ( إنما بُنيَتِ المساجدُ لما بُنِيتْ له ): لإقامة الصلاة وذكر الله سبحانه وتعالى.

-     فدل ذلك على أن نُشْدان الضالة والضائعات في المسجد لا يجوز، وأنه حرام، وأن فيه أذية للمسلمين، الذين يصلون في المسجد.

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان