الأحد، 26 يونيو 2016

تروية الوالدين بحكم إخراج زكاة الفطر عن الجنين - للشيخ عبدالقادر الجنيد -حفظه الله-


بسم الله الرحمن الرحيم


تروية الوالدين بحكم إخراج زكاة الفطر عن الجنين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الميامين، وعنا معهم يا أكرم الأكرمين.
وبعد:
فهذه وريقات فقهية عن حكم إخراج زكاة الفطر عن الجنين، وما للفقهاء رحمهم الله تعالى حولها من كلام، وأسأل الله الكريم أن ينفع بها الكاتب والقارئ والناشر، إنه سميع الدعاء.


وسوف يكون الكلام عن هذا الموضوع في أربع مسائل:


المسألة الأولى / عن المراد بالجنين.


الجنين هو: الْحَمْل الذي لا زال في بطن أمه.

قال ابن أبي الفتح البعلي رحمه الله في كتابه المطلع على ألفاظ المقنع(ص:175):
قال صاحب المطالع:
الجَنِيْنُ: ما استتر في بطن أمه، فإن خرج حياً فهو ولد، وإن خرج ميتاً فهو سقط.اهـ


المسألة الثانية / عن عدم وجوب زكاة الفطر عن الجنين.
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر النيسابوري -رحمه الله- في كتابه الإجماع(ص:47 رقم:111):
وأجمعوا على أن لا زكاة على الجنين في بطن أمه، وانفرد ابن حنبل: فكان يحبه ولا يوجبه.اهـ

وقال في كتابه الإشراف(3/ 72-73):
كل من يحفظ عنه من علماء أهل الأمصار لا يوجب على الرجل إخراج زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه، وممن حفظنا ذلك عنه: عطاء ومالك وأبو ثور وأصحاب الرأي، وكان أحمد بن حنبل يستحب ذلك ولا يوجبه، ولا يصح عن عثمان خلاف ما قلناه.اهـ

وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله في كتابه المغني(4/ 316):
المذهب أن الفطرة غير واجبة على الجنين، وهو قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجبون على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه.
وعن أحمد رواية أخرى: أنها تجب عليه، لأنه آدمي تصح الوصية له، وبه، ويرث، فيدخل في عموم الأخبار، ويقاس على المولود.اهـ

وقال شمس الدين الزركشي المصري الحنبلي رحمه الله في شرحه على مختصر الخرقي(1/ 409):
المشهور المعروف من الروايتين أن إخراج زكاة الفطر عن الجنين مستحب.اهـ

وقال أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي الشافعي رحمه الله كما في طرح التثريب في شرح التقريب(3/ 1020) في شأن الجنين الذي لم يخرج بعد:
أما قوله: (( عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ )) فلا يفهم عاقل منه إلا الموجودين في الدنيا، أما المعدوم فلا نعلم أحداً أوجب عليه.اهـ

المسألة الثالثة / عن الرد على ابن حزم الظاهري في استدلاله لإيجاب زكاة الفطر عن الجنين.
قال ابن حزم الظاهري الأندلسي رحمه الله في كتابه المحلى(4/ 253 مسألة رقم:704):
وأما الحمل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على كل صغير أو كبير، والجنين يقع عليه اسم صغير، فإذا أكمل مائة وعشرين يوماً في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر، وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر.اهـ

وقال أبو زرعة ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم العراقي الشافعي رحمه الله في طرح التثريب في شرح التقريب(3/ 1020- 1022) راداً على ابن حزم:
اﺳﺘﺪﻝ اﺑﻦ ﺣﺰﻡ ﺑﺎﻟﺮﻭاﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻛﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ.
ﻓﻘﺎﻝ: ﻭاﻟﺠﻨﻴﻦ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ ﺻﻐﻴﺮ، ﻓﺈﺫا ﺃﻛﻤﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ ﻗﺒﻞ اﻧﺼﺪاﻉ اﻟﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻔﻄﺮ ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﺗﺆﺩ ﻋﻨﻪ ﺻﺪﻗﺔ اﻟﻔﻄﺮ .
ﺛﻢ اﺳﺘﺪﻝ ﺑﺤﺪﻳﺚ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ: (( ﻳﺠﻤﻊ ﺧﻠﻖ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎً، ﺛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻘﺔ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ، ﺛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻀﻐﺔ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ، ﺛﻢ ﻳﺒﻌﺚ اﻟﻠﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻠﻜﺎً، - ﻭﻓﻴﻪ -: ﺛﻢ ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻴﻪ اﻟﺮﻭﺡ )).
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻫﻮ ﻗﺒﻞ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻣﻮاﺕ ﻓﻼ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺖ، ﻭﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺣﻴﺎً ﻓﻜﻞ ﺣﻜﻢ ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻓﻬﻮ ﻭاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ .
ﺛﻢ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﺭﻭاﻳﺔ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻤﺰﻧﻲ ﻭﻗﺘﺎﺩﺓ: (( ﺃﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻄﻲ ﺻﺪﻗﺔ اﻟﻔﻄﺮ ﻋﻦ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭاﻟﻜﺒﻴﺮ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ اﻟﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ )).
ﻭﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻗﻼﺑﺔ ﻗﺎﻝ: (( ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺠﺒﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻮا ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻋﻦ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭاﻟﻜﺒﻴﺮ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ اﻟﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ )).
ﻗﺎﻝ: ﻭﺃﺑﻮ ﻗﻼﺑﺔ ﺃﺩﺭﻙ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ، ﻭﺻﺤﺒﻬﻢ، ﻭﺭﻭ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﻋﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ: (( ﺃﻧﻪ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ اﻟﺤﻤﻞ ﺃﻳﺰﻛﻰ ﻋﻨﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ )) .
ﻗﺎﻝ: ﻭﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻟﻌﺜﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬا ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ .اهـ
ﻗﺎﻝ ﻭاﻟﺪﻱ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ:
 ﻭاﺳﺘﺪﻻﻟﻪ ﺑﻤﺎ اﺳﺘﺪﻝ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻌﺠﺐ.
ﺃﻣﺎ ﻗﻮﻟﻪ: (( عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ )) ﻓﻼ ﻳﻔﻬﻢ ﻋﺎﻗﻞ ﻣﻨﻪ ﺇﻻ اﻟﻤﻮﺟﻮﺩﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺃﻣﺎ اﻟﻤﻌﺪﻭﻡ ﻓﻼ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﺣﺪاً ﺃﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺣﺪﻳﺚ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻓﻼ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﺣﻢ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ: { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ }، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﻈﻦ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺤﻤﻞ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺇﻣﺎﻡ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ: ﻻ ﺧﻼﻑ ﻓﻲ ﺃﻥ اﻟﺤﻤﻞ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ، ﻭﺇﻧﻤﺎ اﻟﺨﻼﻑ ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻤﻌﻠﻮﻡ.
ﺑﻤﻌﻨﻰ: ﺃﻧﻪ ﻳﺆﺧﺮ ﻟﻪ ﻣﻴﺮاﺙ ﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﻭﺟﻮﺩﻩ.
ﻭﻟﻢ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ ﺃﻥ اﻟﺤﻤﻞ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ، ﻭﻻ ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺪﻭﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻈﻬﺮ ﻭﺟﻮﺩﻩ.
ﻗﺎﻝ ويعني به: والده -:
ﻭﺃﻣﺎ اﺳﺘﺪﻻﻟﻪ ﺑﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻓﻼ ﺣﺠﺔ ﻓﻴﻪ، ﻷﻥ ﺃﺛﺮ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﻨﻘﻄﻊ ﻓﺈﻥ ﺑﻜﺮاً ﻭﻗﺘﺎﺩﺓ ﺭﻭاﻳﺘﻬﻤﺎ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﺮﺳﻠﺔ، ﻭاﻟﻌﺠﺐ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺘﺞ ﺑﺎﻟﻤﻮﻗﻮﻓﺎﺕ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻣﺘﺼﻠﺔ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﺛﺮ ﺃﺑﻲ ﻗﻼﺑﺔ ﻓﻤﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺠﺒﻬﻢ ﺫﻟﻚ، ﻭﻫﻮ ﻟﻮ ﺳﻤﻰ ﺟﻤﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺣﺠﺔ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ ﻓﻠﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻨﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﺭﻭاﻳﺔ ﺭﺟﻞ ﻟﻢ ﻳﺴﻢ ﻋﻨﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﺜﺒﺖ فيه خلاف ﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ.
 ﺑﻞ ﻗﻮﻝ ﺃﺑﻲ ﻗﻼﺑﺔ: (( ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺠﺒﻬﻢ )) ﻇﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺑﻪ، ﻭﻣﻦ تبرع بصدﻗﺔ ﻋﻦ ﺣﻤﻞ ﺭﺟﺎء ﺣﻔﻈﻪ ﻭﺳﻼﻣﺘﻪ ﻓﻠﻴﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻪ ﺑﺄﺱ، ﻭﻗﺪ ﻧﻘﻞ اﻻﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ اﻟﻮﺟﻮﺏ ﻗﺒﻞ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﺑﻦ ﺣﺰﻡ.
ﻓﻘﺎﻝ اﺑﻦ المنذر: ﺫﻛﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺤﻔﻆ ﻋﻨﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻣﺼﺎﺭ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﺇﺧﺮاﺝ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻋﻦ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ، ﻭﻣﻤﻦ ﺣﻔﻆ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﻪ: ﻋﻄﺎء ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺭﺑﺎﺡ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻭﺃﺑﻮ ﺛﻮﺭ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺮﺃﻱ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﻳﺴﺘﺤﺐ ﺫﻟﻚ ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺒﻪ، ﻭﻻ ﻳﺼﺢ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺧﻼﻑ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎﻩ.اهـ
ﻭﻋﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﺭﻭاﻳﺔ ﺃﺧﺮ ﺑﻮﺟﻮﺏ ﺇﺧﺮاﺟﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﻨﻴﻦ. ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﻓﻴﻤﻦ ﻭﻟﺪ ﻟﻪ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ اﻟﻔﻄﺮ: ﻟﻢ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻗﻮﻝ ﻣﺎﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﻓﻴﻪ ﺷﻲء، ﻗﺎﻝ: ﻭﻫﺬا ﺇﺟﻤﺎﻉ ﻣﻨﻪ ﻭﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء، ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺫﻛﺮ ﻋﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻹﺧﺮاﺝ ﻋﻤﻦ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻡ اﻟﻔﻄﺮ ﻣﺤﻤﻮﻝ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺤﺒﺎﺏ، ﻭﻛﺬا ﻣﺎ ﺣﻜﺎﻩ ﻋﻦ اﻟﻠﻴﺚ ﻓﻴﻤﻦ ﻭﻟﺪ ﻟﻪ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﺑﻌﺪ ﺻﻼﺓ اﻟﻔﻄﺮ: ﺃﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻴﻪ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻭﺃﺣﺐ ﺫﻟﻚ ﻟﻠﻨﺼﺮاﻧﻲ ﻳﺴﻠﻢ ﺫﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻭﻻ ﺃﺭاﻩ ﻭاﺟﺒﺎً ﻋﻠﻴﻪ.
ﻗﺎﻝ ﻭاﻟﺪﻱ:
ﻓﻘﺪ ﺻﺮﺡ اﻟﻠﻴﺚ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺪﻡ اﻟﻮﺟﻮﺏ، ﻭﻟﻮ ﻗﻴﻞ ﺑﻮﺟﻮﺑﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻌﻴﺪاً، ﻷﻧﻪ ﻳﻤﺘﺪ ﻭﻗﺖ ﺇﺧﺮاﺟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻳﻮﻡ اﻟﻔﻄﺮ، ﻗﻴﺎﺳﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻼﺓ ﻳﺪﺭﻙ ﻭﻗﺖ ﺃﺩاﺋﻬﺎ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻭاﻟﺪﻱ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -:
ﻭﻣﻊ ﻛﻮﻥ اﺑﻦ ﺣﺰﻡ ﻗﺪ ﺧﺎﻟﻒ اﻹﺟﻤﺎﻉ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﻴﻦ، ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻛﻼﻣﻪ.
ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻥ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻻ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻴﻪ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻋﻨﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻣﺎﻝ ﻓﻴﺨﺮﺝ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﺎﻝ ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻭﻻ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ. .
ﻓﻜﻴﻒ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ ﺯﻛﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻴﻪ ﻭاﻟﻮﻟﺪ ﺣﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻳﻮﺟﺒﻬﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﻌﺪﻭﻡ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ؟.
ﻓﺈﻥ ﻗﻠﺖ:
ﻳﺤﻤﻞ ﻛﻼﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻟﻠﺤﻤﻞ ﻣﺎﻝ.
ﻗﻠﺖ:
ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻣﺎﻝ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺗﻤﻠﻴﻜﻪ، ﻭﻟﻮ ﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﻳﺮﺛﻪ اﻟﺤﻤﻞ ﻟﻢ ﻧﻤﻠﻜﻪ ﻭﻫﻮ ﺟﻨﻴﻦ، ﻓﻼ ﻳﻮﺻﻒ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﻮﻟﺪ، ﻭﻛﺬﻟﻚ اﻟﻨﻔﻘﺔ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺠﺐ للأم اﻟﺤﺎﻣﻞ ﻻ ﻟﻠﺤﻤﻞ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺤﻤﻞ ﻟﺴﻘﻄﺖ ﺑﻤﻀﻲ اﻟﺰﻣﺎﻥ ﻛﻨﻔﻘﺔ اﻟﻘﺮﻳﺐ، ﻭﻫﻲ ﻻ ﺗﺴﻘﻂ.اهـ ﻛﻼﻡ ﻭاﻟﺪﻱ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -.
ﻗﺎﻝ ﺃﺻﺤﺎﺑﻨﺎ: ﻓﻠﻮ ﺧﺮﺝ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮﻭﺏ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻔﻄﺮ ﻭﺑﻌﻀﻪ ﺑﻌﺪﻩ ﻟﻢ ﺗﺠﺐ ﻓﻄﺮﺗﻪ، ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻤﻞ ﺧﺮﻭﺟﻪ ﻣﻨﻔﺼﻼً، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ.اهـ

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي رحمه الله في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري(3/ 369 حديث رقم: 1503) عن الوجوب:
وبه قال ابن حزم، لكن قيَّده بمائة وعشرين يوماً مِن يوم حمل أُمِّه به، وتُعُقِّب: بأنّ الحمل غير مُحَقَّق، وبأنه لا يُسَمَّى صغيراً لغة ولا عرفاً.اهـ

وقال المحدث محمد بن علي بن آدم الإتيوبي الوَلَّوِي سلمه الله في كتابه: ذخيرة العقبى في شرح المجتبى(22/ 266):
تنبيه:
من أغرب ما ذكره ابن حزم في هذه المسألة أنه قال: تجب زكاة الفطر على الجنين، مستدلاً بذكر الصغير في هذا الحديث .، فتعقّبه الحافظ العراقيّ رحمه اللَّه تعالى في شرح الترمذي -وأصاب في ذلك فقال: اهـ

وقال ابن بزيزة رحمه الله كما في التوضيح لشرح الجامع الصحيح(10/ 633):
 والجمهور أنها غير واجبة على الجنين، ومن شواذ الأقوال وجوبها عنه.اهـ

المسألة الرابعة / عن استحباب إخراج زكاة الفطر عن الجنين.

نقل العلامة أبو عبد الله ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في كتابه الفروع(2/ 526) اتفاق المذاهب الأربعة على استحباب إخراج زكاة الفطر عن الجنين، فقال:
ويستحب أن يُخرج عن الجنين في ظاهر المذهب (و).اهـ
والواو تعني: موافقة الحنفية والمالكية والشافعية للحنابلة في حكم المسألة.

وتابعه على نقل اتفاقهم العلامة عبد الرحمن ابن قاسم النجدي الحنبلي رحمه الله في كتابه حاشية الروض المربع(3/ 277) عقب قول المصنف: ويستحب فقال:
واتفق عليه الأئمة الأربعة وغيرهم.اهـ


وقال عبد الرزاق رحمه الله في مصنفه(2/ 319 رقم:5788):
عن معمر عن أيوب عن أبي قِلابة قال:
(( كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى على الحبل في بطن أمه )).
وإسناده صحيح.

  وقال ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه(2/ 432 رقم:10738):
حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قِلابة قال:
(( كانوا يعطون صدقة الفطر حتى يعطون عن الحبل )).
وإسناده صحيح.

وقال ابن حزم الظاهري الأندلسي رحمه الله في كتابه المحلى(4/ 254 مسألة رقم:704) عقب أثر أبي قِلابة:
وأبو قِلابة أدرك الصحابة، وصحبهم، وروى عنهم.اهـ

قلتُ:
وفيه دلالة واضحة على استحباب السلف الصالح إخراج زكاة الفطر عن الجنين الذي في بطن أمه.

وقد نُقِل عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إخراج زكاة الفطر عن الجنين.

نقله عنه بكر بن عبد الله المزني، وقتادة.

فقال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسائله(1/ 170- مسألة رقم:644):
سمعتُ أبي يقول: يُعطى زكاة الفطر عن الحمل إذا تبين.
حدثني أبي قال: حدثنا معمر بن سليمان التيمي عن حميد بن بكر وقتادة:
(( أن عثمان رضي الله عنه كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل زكاة الفطر )).
وفي نسخة أخرى (وبرقم:806):
عن حميد عن بكر وقتادة.
 وهو الصواب.

وقد قال ابن حزم الظاهري الأندلسي رحمه الله في كتابه المحلى(4/ 253-254 مسألة رقم:704):
روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا أبى ثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وقتادة:
(( أن عثمان بن عفان كان يعطى صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل )).
ولا يُعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة، وهم يعظمون بمثل هذا إذا وافقهم.اهـ
وإسناده صحيح، إلا أنه منقطع بين بكر بن عبد الله المزني وقتادة وبين عثمان بن عفان رضي الله عنه -.

وقال الإمام أبو بكر ابن المنذر النيسابوري رحمه الله في كتابهالإشراف(3/ 73):
ولا يصح عن عثمان خلاف ما قلناه.اهـ

وقال أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي الشافعي رحمه الله كما في طرح التثريب في شرح التقريب(3/ 1021):
ﻷﻥ ﺃﺛﺮ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﻨﻘﻄﻊ ﻓﺈﻥ ﺑﻜﺮاً ﻭﻗﺘﺎﺩﺓ ﺭﻭاﻳﺘﻬﻤﺎ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﺮﺳﻠﺔ.اهـ

وقال العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في كتابه “”(3/ 331 رقم:842):
وهذا إسناد صحيح، لولا أنه منقطع.اهـ

·     وينظر للاستزادة مع ما تقدم من مراجع في أثناء البحث:
رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام(3/ 350-351 حديث رقم:171)، والمجموع شرح المهذب(6/ 105)، وروضة الطالبين(2/ 157)، و الإعلام بفوائد عمدة الأحكام(5/ 128-129)، و التوضيح لشرح الجامع الصحيح(10/ 633)، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج(12/ 388)، والجوهرة النيرة(2/ 6)، والفتاوى الهندية(1/ 192)، و عمدة القاري شرح صحيح البخاري(9/ 110)، والمسائل الفقهية لأبي يعلى(1/ 246)، والمبدع(2/ 388)، والإنصاف (3/ 168)، ومنار السبيل(1/ 195)، والشرح الممتع  على زاد المستقنع(6/ 161-162)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين(18/ 263 سؤال رقم:176)، وفتاوى اللجنة الدائمة(9/ 366-367 رقم: 1747 و 10816 و 3382)، و شرح عمدة الأحكام للسعدي (ص:326).


وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان