الخميس، 19 مارس 2020

شرح حديث: ( وددت أَنا قد رأينا إخواننا ) ... ( فإِنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ) - الشيخ سليمان الرحيلي


بسم الله الرحمن الرحيم


وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى المقبرة فقال: ( السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤْمنين، وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون، وددْتُ أَنّا قد رأينا إخوانَنا )، قالوا: أوَلَسْنَا إخوانَكَ يا رسولَ الله؟ قال: ( أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لَم يأتوا بعدُ )، قالوا: كيف تَعرِفُ من لم يأتِ بعدُ مِن أمَّتكَ يا رسولَ الله؟ قال: ( أرأَيتَ لو أنّ رجلاً له خيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلة، بين ظَهرَيْ خَيلٍ دُهْمٍ بُهمٍ، ألا يَعرِفُ خَيلَه؟ )، قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: ( فإِنّهم يأتونَ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن الوُضوءِ، وأنا فَرَطُهُم على الحوضِ ).
رواه مسلم وغيره.

-      كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزور البقيع ليلاً ونهارًا.

-      زيارة القبور للرجال سنة، ومن الخير للمؤمن عدم إطالة عهده بالمقابر.

-      تحية الأموات من المسلمين كتحية الأحياء، ويسن لزائر المقبرة أن يبدأ بالسلام قبل الدعاء.

-      (السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤْمنين ): أي: السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين.
وهم كذلك لاعتبارين: باعتبار ما كانوا عليه فهم كانوا أهل إيمان، وباعتبار ما هم فيه، فهم في حال الإيمان المطلق، فمن مات قامت قيامته وآمن بما يكون.

-      ( وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون ): جملة "إن شاء الله" ليست متعلقة بالموت فإن هذا يقين وإنما متعلقة بالقُرْب.
وقال بعض أهل العلم أنها متعلقة بالحال وهو الإيمان، فيكون المعنى: وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون على الإيمان، والإنسان لا يدري حال الموافاة.
وقيل بل متعلق بكمال الإيمان، فالإيمان شعب، والإنسان قد لا يأتي بكل شعب الإيمان.
والاستثناء في الإيمان على سبيل الشك لا يجوز، ولا يجوز قول: أنا لا أدري هل أنا مؤمن أم لا؟
أما الاستثناء المتعلق بالموافاة أي الحال عند الموت فجائز.
وكذلك الاستثناء من إكمال الإيمان جائز عند أهل السنة والجماعة.

-      ( وددْتُ أَنّا قد رأينا إخوانَنا ):
في رواية عند أبي يعلى والطبراني: (متى ألقى إخواني؟ )
وفي هذا جواز تمني الخير.

-      وفيه أن تمني الخير ولو كان ليس واقعًا ليس اعتداءً وهو جائز.

-      وفيه مشروعية تمني لقاء الأخيار وأهل الفضل.

-      وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى أحدًا بعد وفاته.

-      " أوَلَسْنَا إخوانَكَ يا رسولَ الله؟ قال: ( أنتم أصحابي ) ":
الصحابة لهم منزلة أعلى فلهم الأخوة مع الصحبة، والصحبة أعلى، فهم مؤمنون والنبي صلى الله عليه وسلم مؤمن، قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }.

-      ( وإخوانُنا الذين لَم يأتوا بعدُ ): أي الذين أمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه، وقيل هم الذين آمنوا به في آخر الزمان، والصحيح أنه يشمل الجميع.

-      جاء عند الإمام أحمد: قال صلى الله عليه وسلم: ( طُوبى لمَن رَآني وآمَنَ بي، وطُوبى -سَبعَ مَرَّاتٍ- لمَن لم يَرَني وآمَنَ بي )[1].
قال صلى الله عليه وسلم: ( طوبى شجرةٌ في الجنَّةِ، مسيرةُ مائَةِ عامٍ، ثيابُ أهلِ الجنةِ تخرجُ مِنْ أكْمامِها )[2].

-      أفضل إخوان النبي صلى الله عليه وسلم طرفان:
1-   من كان في صدر الإسلام بعد الصحابة، وهم التابعون وتابعوا التابعين.
قال صلى الله عليه وسلم ( طوبَى لِمَنْ رآني، ولِمَنْ رأى مَنْ رآني، ولِمَنْ رأى مَنْ رأى مَنْ رآنِي ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3927).
2-   من تمسك بدين النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان وعمل بسنته.
-      قال صلى الله عليه وسلم: ( طوبى للغرباءِ، أناسٌ صالِحونَ في أناسٍ سوءٍ كثيرٍ، مَنْ يَعصيهم أكثرُ ممَّنْ يُطِيعُهُمْ )[3].
-      قال صلى الله عليه وسلم: ( فإنَّ من ورَائِكُمْ أيَّامَ الصبرِ، الصَّبْرُ فيهِنَّ مثلُ القَبْضِ على الجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فيهِنَّ مثلُ أَجْرِ خمسينَ رجلًا يعملونَ مِثْلَ عملِهِ ).
رواه ابن ماجه، والترمذي، وأبو داود، وزاد:
قيل: يا رسول الله أجرُ خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: ( بل أجر خمسين منكم )[4].
وليس معنى هذا أن العامل الذي له أجر خمسين أفضل من الصحابة، بل المقصود زيادة الثواب مثل أجر خمسين من الصحابة، ولو أنفق أحدنا مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدّ أَحَد الصحابة ولا نَصِيفَه.
والقول بأنه قد يوجد بعد الصحابة من يساوي الصحابة في الفضل أو يفضلهم تفضيلاً مطلقًا قول ضعيف، وقد يتميز بِـمَيزة ولكن ليس أفضل من الصحابة، كأويس القرني الذي تميز بإجابة دعائه.
-      قال صلى الله عليه وسلم: ( مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ ) رواه مسلم (2832).

-      ( غُرٌّ مُحَجَّلة ): الغرة في الوجه، وأصلها بياض في جبهة الفرس، وهي من صفات الجمال، والتحجيل بياض في اليدين والرجلين.

-      ( بين ظَهرَيْ خَيلٍ دُهْمٍ بُهمٍ ): أي وسط خيل دُهْمٍ، أي: سوداء، بُهُم: أي: لا يـخالط سوادها بياض.

-      ( فإِنّهم يأتونَ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن الوُضوءِ ): فيه أن هذه الصفة خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه أن غير المتوضئ ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون دليلاً للقائلين بكفر تارك الصلاة، فإنه لا يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم من الغرة والتحجيل من آثار الوضوء.

-      ( وأنا فَرَطُهُم على الحوضِ ): أي مُتَقَدّمهم على الحوض.

-      الإيمان بالحوض فرض، ولكل نبي حوض، ونبينا صلى الله عليه وسلم يُختص بالحوض الأعظم، والأنبياء عليهم السلام يتباهون أيهم أكثر وارِدَة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ لِكلِّ نبيٍّ حَوضًا وإنَّهم يتباهونَ أيُّهم أَكثَرُ واردةً، وإنِّي أرجو أن أَكونَ أَكثرَهم وارِدةً )[5].

-      وطول حوض النبي صلى الله عليه وسلم مسيرة شهر، وهو حوض مربع عرضه مسيرة شهر كطوله، وماؤه أبيض من الفضة، وأباريقه كنجوم السماء في الكثرة، وماؤه أحلى من العسل، يسيل فيه مِيزابان من الجنة، مِيزاب من ذهب وميزاب من فضة، تَرِدُ عليه أمة محمد يشربون منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا.

-      وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ )، فأقُولُ: ( إنَّهُمْ مِنِّي )، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: ( سُحْقًا سُحْقًا لِمَن غَيَّرَ بَعْدِي )[6].
وفي رواية: فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: ( سُحْقًا سُحْقًا لِمَن بَدَّلَ بَعْدِي )[7].
(أعْرِفُهُمْ) أي أعرفهم بصفتهم، فهم كانوا يصلون، فصفتهم بالغرة والتحجيل موجودة، ولكنهم يُذَادَوْنَ عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
( إنَّهُمْ مِنِّي ): أي من أمتي.
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء. قال: وكذلك الظَّلَمَةُ المسرفون المترفون في الجَوْر، وطَمْسِ الحق، والمعلنون بالكبائر.


-      ثلاث فضائل لإتمام الوضوء:
1-  أهل الوضوء يُدعَوْن يوم القيامة غرًا محجّلين.
2-  الحِلْية في الجنة تبلغ منهم بمقدار اتمامهم لوضوئهم.
3-  النبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم بهذه الصفة.

فينبغي أن:
نتعلم الوضوء
وأن نعتني بالوضوء ونتعاهد أعضاء الوضوء فلا نتساهل فيه
وأن نحرص على السنة.

وعن زِرٍّ عن عبد الله رضي الله عنه؛ أنّهم قالوا: يا رسولَ الله كيفَ تَعرفُ مَن لَمْ تَرَ مِن أمّتك؟ قال: ( غُرٌّ مُحَجَّلون بُلْقٌ من آثارِ الوُضوءِ ).
-      بُلق جمع أبلق، وهي التي تكون فيها سواد وبياض، وهذا تفسير للغرة والتحجيل من آثار الوضوء.




[1]  أخرجه أحمد (22214) واللفظ له، والطيالسي (1228)، وابن حبان (7233).
قال شعيب الأرناؤوط في "تخريج المسند" (22214): حسن لغيره.
قال صلى الله عليه وسلم: ( طوبى لِمَنْ رآني وآمنَ بي مرَّةً، وطوبِى لِمَنْ لم يراني وآمنَ بي سبعَ مرَّاتٍ ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3924).
[2]  حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3918).
[3] أخرجه أحمد (6650)، والطبراني (13/363) (14178)، والبيهقي في ((الزهد الكبير)) (203).
[4] ذكر الألباني في "صحيح الترغيب" (3172) أنه صحيح لغيره.
[5] صححه الألباني "صحيح الترمذي" (2443).
[6] صحيح البخاري (6583).
[7] صحيح البخاري (7050).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان