الاثنين، 16 مارس 2020

شرح ( من قرأ سورةَ الكهف كانت له نوراً يوم القيامةِ، مِن مقامِه إلى مكة، ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرها ثم خرج الدجال؛ لم يَضُرَّه، ومن توضأ فقال: (سبحانك اللهم وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، كُتِبَ له في رَقٍّ، ثم جُعِلَ في طابِعٍ، فلم يُكسَر إلى يومِ القيامةِ )


بسم الله الرحمن الرحيم




[صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( من قرأ سورةَ الكهف كانت له نوراً يوم القيامةِ، مِن مقامِه إلى مكة، ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرها ثم خرج الدجال؛ لم يَضُرَّه، ومن توضأ فقال: (سبحانك اللهم وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، كُتِبَ له في رَقٍّ، ثم جُعِلَ في طابِعٍ، فلم يُكسَر إلى يومِ القيامةِ ).
رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته رواة "الصَّحيح"، واللفظ له.
ورواه النسائي، وقال في آخره: ( خُتِم عليها بخاتَم فوضِعتْ تحتَ العرشِ، فلم تُكسَر إلى يومِ القيامةِ ).
وصوَّب وقفه على أبي سعيد.

 -      الصحيح: ( من قرأ سورة الكهف كانت له نورًا يوم القيامة )، وليست "إلى" قبل ( يوم القيامة ) في الروايات.

-      " رواه الطبراني في الأوسط، ورواته رواة الصحيح ": ورواه الحاكم بتمامه في المستدرك بتغيير يسير في بعض ألفاظه وقال: " صحيح على شرط مسلم، ورواه سفيان الثوري عن أبي هاشم فأوقفه "، هذا كلام الحاكم.
    
   -   " ورواه النسائي ": لم يروه بتمامه النسائي، إنما رواه من قوله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فقال: سبحانك اللهم ... ) إلى آخر الحديث

- " وقال في آخره: ( خُتِم عليها بخاتم، فوضعت تحت العرش فلن تُكسَر إلى يوم القيامة ) ":
يوهِم أن هذه الزيادة في نفس الرواية السابقة، وهذا لا يستقيم؛ لأن في الرواية السابقة: ( كُتِبَ لَهُ في رَقٍّ ثم جُعِلَ في طَابِعٍ فلم يكسر إلى يوم القيامة )، فليست هذه الزيادة في الرواية السابقة لا في متنها ولا في إسنادها، بل رواها النسائي بإسناد آخر عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ فَفَرَغَ من وُضوئه ثم قال: ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك )، طُبِعَ عليها بطَابَع ثم رُفِعت تحت العرش فلم تُكْسر إلى يوم القيامة )، هكذا عند النسائي في الرواية الأخرى.

-      " وصوَّب وقفه على أبي سعيد ": أي النسائي، فقال أن الرفع خطأ والصواب أنه موقوف.
والمرفوع صحيح كما قال الألباني، والموقوف صحيح، ولو لم يرد إلا الموقوف لقلنا أن له حكم الرفع؛ لأنه خبر غيبي وفيه فضيلة، فلا يقوله الصحابي إلا عن توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر: أما المرفوع فيمكن أن يُضعَّف بالاختلاف والشذوذ، وأما الموقوف فلا شك ولا ريب في صحته"، وقد بَيَّن الشيخ الألباني عدم حصول الاختلاف والشذوذ.

-      من المعلوم أن المؤمنين يُؤْتَوْن نورًا يوم القيامة على قدر أعمالهم، وهذا النور يَطُول ويَقْصر بحسب الأعمال، ويَتِمُّ ويَنْقُص بحسب الأعمال، وبعض الأعمال لها خصوصية في النور، منها:
1-         المشي في الظلمات إلى المساجد، أي أن يمشي العبد إلى صلاة العشاء وصلاة الفجر، حتى لو مشى اليوم في وسط الكهرباء فإنه يدخل في الفضل، "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"
2-         ومنها: العناية بيوم الجمعة، العناية بأعمال يوم الجمعة من غسل وتبكير وإنصات وكَثْرَة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة سورة الكهف، فإن يوم الجمعة يأتي يوم القيامة كالعَرُوس التي تُزَفّ إلى زوجها، مضيئة تضيء لأهلها يوم القيامة، فهم يـمشون في ضوئها.
3-         ومنها: ترك الشيب، ولا سيما في اللحية، فإذا خرج الشيب في اللحية فتَرْكُه كان سببًا للنور يوم القيامة، أما نتفه فإطفاء لهذا النور، وأما حلق اللحية فمع كونه حرامًا وخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يُطفئ نور الشَّيْب يوم القيامة، وقد يرزق نورًا بسبب آخر.
أما تغييره بغير السواد فهذا لا يطفئ هذا النور، لأنه ليس إزالةً له.
4-         ومن الأعمال التي يكون بها النور طويلًا يوم القيامة: قراءة سورة الكهف.

-      والرواية جاءت مطلقة في هذا الحديث، في أي وقت، لكن جاءت مقيدة في روايات أخرى بيوم الجمعة.
روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال: " من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق "، وهذا موقوف على أبي سعيد صحيح الإسناد وله حكم الرفع، لأنه مما لا يُقال بالاجتهاد.
وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ".
فتحمل الرواية المطلقة على الرواية المقيدة، فهذا الفضل لقراءة سورة الكهف في يوم الجمعة.

-      ومن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة فإنه مُبَشَّر بنورين، نور في الدنيا ونور يوم القيامة:
أما النور الذي في الدنيا فهو بين الجمعتين، وجاء في رواية: "وزيادة ثلاثة أيام"، يعني عشرة أيام، وهذا نور الحفظ والعناية، فيكون له مزيد حفظ وعناية من ربنا سبحانه وتعالى، عن سائر المؤمنين.
ونورٌ يكون يوم القيامة، وهو نور طويل كما بينه وبين مكة المكرمة، من طوله.
فقراءة سورة الكهف فيها فضل عظيم، وللأسف أن المؤمنين غفلوا عن هذا العمل، فلا تكاد  تجد مسلمًا يحرص على قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة مع هذا الفضل العظيم.

-      ( ومن قرأ عشر آيات من آخرها ): أي من آخر سورة الكهف.
( ثم خرج الدجال ): أي وأدركه، لأن الدجال لا بد أن يخرج.
( لم يضره ): أي لم يُسلَّط عليه كما جاء في الرواية الأخرى.
فمن أسباب الحفظ من الدجال ومن فتنته قراءة عشر آيات من سورة الكهف.

-      " ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرها ":
في هذه الرواية: ( من آخرها )، وهي عند الطبراني والحاكم، وجاء في رواية عند مسلم وغيره: ( من أوائل سورة الكهف )، فجاءت روايتان، ورواية الأوائل أقوى من رواية الأواخر.
وقد اختلف العلماء هنا: فذهب جمع من أهل العلم إلى ترجيح رواية أوائل السورة، وقالوا أن هذه الرواية التي معنا هنا شاذة، فهي ضعيفة المتن لأنها مخالفة للرواية الصحيحة.
وقال بعض أهل العلم بأنه لا شذوذ، وكلا الروايتين صحيح، وكلا الأمران سبب للحفظ من فتنة الدجال، فمن قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف حُفظ من الدجال، ومن قرأ عشر آيات من آخر سورة الكهف حُفظ من الدجال، والشذوذ لا يقال به إلا عند المخالفة، ولا مخالفة هنا، فكلاهما سبب.
وهذا الذي يظهر والله أعلم، لكن العناية بالأوائل أولى لأن الرواية أصح.

-      ورجح كثير من أهل العلم: أن معنى القراءة هنا: الحفظ، وكون الإنسان يعتني بحفظ أوائل السورة فهذا حسن، ومن اعتنى بحفظ الأواخر فهذا حسن، ومن حفظ السورة كلها فهذا نور على نور، لأنه يكون قد حفظ الآيات التي يكون بها الحفظ من الدجال، وحفظ السورة فيثاب على حفظ القرآن، ويسهل عليه أن يقرأها يوم الجمعة سواء وهو يمشي أو راكب للسيارة أو نحو ذلك.

-      ( ومن توضأ فقال: (سبحانك اللهم وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ) ... ):
( ومن توضأ ): أي أسبغ الوضوء.
( فقال: سبحانك اللهم ): سبحانك يا الله، ومعناه: أنزهك يا ربي عما لا يليق بجلالك، اعتقادًا وقولًا، فلا أعتقد إلا ما يليق بجلالك، ولا أقول إلا ما يليق بجلالك، فهذا تنزيه لله عن النقائص.
( وبحمدك ): الحمد: الثناء على الله مع الحب والتعظيم والتذلل.
فهنا تنزيه وثناء، ومن كان مثنيًا على الله منزّهًا لله فقد تم له الأمر.
( أستغفرك ): أطلب مغفرتك، والمغفرة: إزالة أثر الذنب.
( وأتوب إليك ): فهذا جمع بين الاستغفار والتوبة، والتوبة تتضمّن الندم والإقلاع والعزم على عدم العود خوفًا من الله وإخلاصًا لله.
والاستغفار: طلب إزالة أثر الذنب لخوف القلب من الله.

-      ولهذا العلماء قالوا: هل ينفع الاستغفار بدون ترك الذنب؟
قال المحققون: هنا تفصيل:
1-       إن كان استغفاره لخوف قلبه من الله، فيقول: "استغفر الله" من قلبه، ولكنه يستمر على الذنب لضعفه، فهذا قد ينفعه الاستغفار، بل قد يُعان على ترك الذنب بسب استغفاره.
2-       وإن كان استغفاره استغفار اللسان ولا أثر له في القلب، فهذا قول الكذابين.
3-       وإن كان استغفاره على سبيل الاستهانة والاستهزاء بمن نصحه وبالذنب فهذا استغفار المفتونين، وهذا ذنب أعظم من ذنبه.

-      ( كُتِبَ له في رَقٍّ، ثم جُعِلَ في طابِعٍ، فلم يُكسَر إلى يومِ القيامةِ ):
( كُتِبَ له في رقّ ): يعني في صحيفة.
قال الفراء: " الرق: الصحائف التي تُخرج لبني آدم يوم القيامة "، وقال بعض أهل اللغة: الرق هو الجلد الذي يُكتب عليه.
والمقصود: أنها صحيفة محفوظة.
(ثم جُعِلَ في طابِعٍ ): أي خُتِم عليه.
( فلم يُكسَر إلى يوم القيامة ): أي أنه عمل صالح محفوظ، ولا تُنقصه الذنوب ولا غير الذنوب.
-      وجاء في رواية النسائي: ( طُبِعَ عليها بطَابَع ثم رُفِعت تحت العرش ): وفيه شرف المكان، (فلم تُكْسر إلى يوم القيامة ): وهذا فضل عظيم لهذا الذكر.

   -      يُشرع للمؤمن حال فراغه من الوضوء، ولا يتأخر، بل أول ما يفرغ من الوضوء يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

ويجمع بينها؛ لأنها من الأذكار التي يُمكن الجمع بينها.

-      إذا كان الإنسان يتوضأ في دورات المياه فهل يقول هذا الذكر عند فراغه من الوضوء؟
فيه تفصيل: إن كان يتوضأ في الحمام الذي تُقضى فيه الحاجة، لا يقول هذا الذكر حتى يخرج من الحمام، فإذا خرج من الحمام قاله.
أما إذا كان يتوضأ في المِيضَئَة خارج الحمامات، فإنه يقول هذا الذكر إذا فرغ مباشرة، لأنه لا يوجد في الشرع مانع من ذكر الله في هذا المكان.
وبعض المؤمنين يخلط بين الأمرين، فيظن أن الميضئة لها حكم الحمام ولا يُذْكَر الله فيها، وهذا غلط، فالمِيضَة ليست حماما ولا مكانا مكروهًا.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان