الأحد، 15 مارس 2020

شرح ( ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فَيُبلِغُ أو فَيسبغُ الوضوء، ثم يقولُ: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله ) - الشيخ سليمان الرحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم



[صحيح] عن عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فَيُبلِغُ أو فَيسبغُ الوضوء، ثم يقولُ: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله)؛ إلاَّ فُتحَتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةِ، يدخل مِن أيُّها شاء ). رواه مسلم.
[حسن] وأبو داود وابن ماجه، وقالا: "فيحسن الوضوء".
[حسن] ورواه الترمذي كأبي داود، وزاد: ( اللهم اجْعَلْني من التَّوابين، واجْعَلني من المتطهرين ) الحديث، وتُكُلّم فيه.

-      ( ما منكم من أحد ): أحد نكرة في سياق الشرط وتقدمتها من، فيعمّ كل من يتحقق منه هذا يتحقق له الموعود

-      ( يتوضأ فيُبْلِغ أو فيُسْبِغ ): المقصود بالإسباغ هنا هو الإسباغ المستحب الكامل، فيتوضأ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ويكون حريصا على وضوئه يتممه ويكمله ويجمله بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعبر بعض أهل العلم عن هذا بقوله: أن يأتي به على الوجه المسنون.

-      ومعنى (يُبلغ) و(يسبغ) واحد، لكن من دقة الراوي جاء بهما.

-      أشهد: أي: أعْلَمُ وأبيّن وأقول وأعتقد اعتقادًا جازمًا.

-      ( لا إله إلا الله ): لا معبود حقٌ إلا الله أو لا معبود بحق إلا الله، لأنه لا يصح أن نقول لا معبود إلا الله، لأن فيه معبودات كثيرة

-      نبينا صلى الله عليه وسلم سُمي في التوراة محمدًا وفي الإنجيل أحمد، وثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم له خمسة أسماء يختص بها أكثر من غيره، وليس المقصود حصر أسمائه فيها، منها أحمد ومحمد.

-      والنبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت له زيادة الحمد في اسميه أحمد محمد، زيادة الحمد في الكمية في اسمه محمد: أي المحمود حمدًا بعد حَمْدٍ، حمدًا كثيرًا، واجتمعت له زيادة الحمد في الكيفية: في اسمه أحمد، لأن "أفعل" تفضيل، أي أفضل حمد لبشري وأكثر حمد لبشري، فهو صلى الله عليه وسلم محمود زيادة في الكمية ومحمود زيادة في الكيفية.

-      قال العلماء أن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ليست أعلامًا محضة، بل هي أعلام بما فيها من المعاني، فأكمل حمد وأكثر حمد لبشري هو لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي تحقق لنبينا صلى الله عليه وسلم فاسمه مقرون مع اسم الله عز وجل ويردد على المآذن في اليوم والليلة في الأذان وفي الإقامة وفي التشهد وغيره.

-      ( وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله ): ( عبدُه ) إضافة تشريف، لأن أعظم الشرف الذلة لله، أعظم الناس شرفا أعظمهم تذللا لله، فليس الشريف شريف النسب فقط وليس الشريف كثير المال فقط وإنما الشريف الشرف التام من تذلل لله وعظم تذلله لله.

-      ( عبده ): أي من تذلل وخضع لله خوفا ورجاء ومحبة.
وهذا يدل على أن أكمل المخلوقات عبودية لله هو محمد صلى الله عليه وسلم.

-      وهذا يدلنا دلالة بينة واضحة على أنه صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لا يُعْبَد.

-      ( ورسوله ): فهو رسول لا يكذب ويطاع ويتبع ولا يعبد الله إلا بما شرع صلى الله عليه وسلم.

-      ( إلاَّ فُتحَتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةِ، يدخل مِن أيُّها شاء ): الجنة لها ثمانية أبواب، وللعلماء بحث هل هي محصورة في ثمانية أو أكثر؟، لكن ظاهر النصوص أن لها ثمانية أبواب.

-      الذي يتوضأ ويحسن الوضوء مخلصًا لله ثم يقول صادقًا من قلبه: "أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" تُفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.

-      متى تفتح؟
قال بعض أهل العلم: تفتح إذا قال، فُتفتح بحيث لو مات لدخلها.
وقال بعض أهل العلم: تفتح له يوم القيامة، وهذا أرجح والله أعلم، فيُخَيّر أمام المؤمنين، فيقال له أدخل من أي باب شئت، وهذا تشريف لصاحب هذا الفعل.
فضل الله علينا عظيم لكن نحن نظلم أنفسنا، كم مرة توضأنا ولم نقل هذه الجملة؟.
إني لأخشى أن يكون صرفنا عن كثير من الأذكار عقوبة لخلل في قلوبنا، وأعظم العقوبة في الدنيا أن يُـحرم العبد من الإكثار من ذكر الله.

-      " وأبو داود وابن ماجه، وقالا: ( فيحسن الوضوء ) ". أي بدلاً من ( فيبلغ الوضوء ).

-      " ورواه الترمذي كأبي داود، وزاد: ( اللهم اجْعَلْني من التَّوابين، واجْعَلني من المتطهرين ) ":
أي: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله، اللهم اجْعَلْني من التَّوابين، واجْعَلني من المتطهرين.

-      " وتُكُلّم فيه ": تكلم فيه الترمذي وأعله بالاضطراب، وكلام الترمذي عن الحديث كله أنه لا يصح لأنه مضطرب، لا عن الزيادة فقط.
قال الألباني في "إرواء الغليل": " أعله الترمذي بالاضطراب وليس بشيء فإنه اضطراب مرجوح ".
والشيخ أحمد شاكر جمع طرق الحديث وبَيَّن أنه لا اضطراب، في روايات الترمذي وغيره.
أما صدر الحديث: ( أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله ) ففي مسلم ولا اضطراب في روايته.
وأما الزيادة فالتحقيق أنه لا اضطراب، ولها شاهد من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن دعا بوَضوئِه –أي من دعا بماء الوضوء- فساعةَ يَفْرُغُ مِن وُضوئِه يقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، اللَّهمَّ اجعَلْني مِن التَّوَّابينَ واجعَلْني مِن المُتطهِّرينَ، فُتِحَتْ له ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ يدخُلُ مِن أيِّها شاء )، رواه الطبراني في "الأوسط"، وهو شاهد لرواية الترمذي.
والشيخ الألباني هنا حكم للزيادة بأنها حسنة، وفي بعض كتبه قال أنها صحيحة.
وهذا يعضده ما جاء عن الصحابة فقد روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة هذا الذكر بتمامه عن علي رضي الله عنه موقوفًا عليه، وروى ابن أبي شيبة هذا الذكر بتمامه عن حذيفة رضي الله عنه، فدل على صحته وثبوته، فيُشرع للمؤمن كلما توضأ أن يقول هذا الذكر.

-      وهذا الذكر مناسب للوضوء لأن الإنسان إذا توضأ فإنه يتطهر طهارة حسية، بغسل أعضاء الوضوء، ويتطهر طهارة معنوية برفع الحدث؛ لأن الحدث ليس حسيا، ويتطهر طهارة معنوية بِتَحَاتِّ الذنوب إذا توضأ، فناسب أن يذكر هذا مع الفعل فيجمع بين الفعل والقول، وقوله "اللهم اجعلني من التوابين": الذين يتطهرون الطهارة المعنوية، "واجعلني من المتطهرين": الذين يتطهرون الطهارة الحسية.

-      ( اللهم اجعلني من التوابين ): المناسبة أن الوضوء يكفّر الصغائر، فناسب أن يدعو المؤمن بأن يرزقه الله التوبة التي تكفّر الكبائر، فصار المعنى كأن المؤمن يقول: اللهم كما وفقتني لهذا الوضوء الذي تكفَّر به الصغائر وفقني إلى التوبة التي تكفَّر بها الكبائر.

-      ( واجعلني من المتطهرين ): الوضوء من التطهر، لما تطهر المؤمن بالوضوء ناسب أن يدعو ربه أن يتم عليه التطهر فيدعله من المتطهرين حسا ومعنى.
من رزقه الله أن يكون من التوابين ومن المتطهرين فإنه يحبه، { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين }، ومن أحبه الله حفظه ونصره وأعانه وكان معه، فكان لهذا الدعاء مناسبة عظيمة للوضوء، وكان فيه خير عظيم للمؤمن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان