الأربعاء، 26 يوليو 2023

شرح حديث ( سيكون في آخرِ الزمانِ قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة ) - الشيخ سليمان الرحيلي - 1439هـ


بسم الله الرحمن الرحيم



شرح حديث

 

1439هـ

 

للتحميل أو الاستماع

 

[حسن] وعن عبدِ الله -يعني ابنَ مسعودٍ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( سيكون في آخرِ الزمانِ قومٌ يكون حديثهم في مساجدِهم، ليس لله فيهم حاجةٌ ).

رواه ابن حِبّان في "صحيحه".

 

-     هذا الحديث الذي صححه ابن حبان إذ رواه في "الصحيح"، وحسنه الامام الألباني، ودرس إسناده دراسة جيدة وبَيّن بهذه الدراسة أن إسناده حسن، فيه ما يتعلق بالحديث في المساجد.


-     وقد جاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حِلَقًا حِلَقًا، إمامُهم الدنيا، فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة )، رواه الطَّبراني وذكره الألباني في "الصحيحة"، رُوي هذا مرفوعا وموقوفا، والظاهر والله أعلم أن في إسناده ضعفا، سواء المرفوع أو الموقوف، لكن الشيخ الألباني رحمه الله قواه وذكره في "السلسلة الصحيحة".


-     أما ما يروج على ألسنة العوام، ويرسله بعض الناس في وسائل التواصل الاجتماعي حيث يُزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحديث في المساجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش "، وفي رواية عندهم: " الكلام المباح في المساجد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطب " فهذا لا أصل له بلفظيه، بل هو موضوع، لا يجوز أن يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.


-     قال: وعن عبدِ الله -يعني ابنَ مسعودٍ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( سيكون في آخرِ الزمان ). وهذا مما يكون بين يدي الساعة حيث يبعد العهد بزمن الخير والنبوة.


-     ( سيكون في آخر الزمان قوم ) من المسلمين؛ لأنهم يدخلون المساجد.


-     ( يكون حديثهم ) أي حديث الدنيا ( في مساجدهم ).


-     ( ليس لله فيهم حاجة ): الله عز وجل لا يحتاج عباده جميعا، لا يحتاج الطائعين ولا يحتاج العاصين سبحانه وتعالى، بل هو الغني غنى مطلقا، ولكن هذه الجملة تُطلَقُ ويُرادُ بها التحذير من الأمر، مع عدم الثواب، يعني إذا وجدت هذه الجملة في حديث من الأحاديث فاعلم أن المعنى هو التحذير مما ذُكِر في الحديث مع عدم الثواب أو نقصه، مثل ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )، هذا تحذير للصائم من أن يقول زُورا، أو يعمل زُورا، وبَيان أن هذا يُذهب أجر الصائم، قد يُذْهبهُ بالكُلّية، وهنا أيضا هذا تحذير من أن يجعل المسلم حديثه في المسجد عن الدنيا، وبيان أن هذا يُذهب أجره في المسجد، لا يكون له أجر في المسجد، ما دام أن حديثه من أجل الدنيا.


-     والحديث في المسجد على قسمين:

القسم الأول: حديثٌ مشروع، كالعلم، أن يتحدث اثنان في العلم، ولو في أحكام أمور دنيوية، يتحدث شخصان في أحكام البيوع، في شروط البيع، في أحكام الإجارة، هذا مشروع، حديث مشروع، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتحدث مع آخر يأمره بالمعروف، أو ينهاه عن المنكر، أو للنصيحة الشرعية، فهذا جائز في المسجد بل مشروع، يُشرع للإنسان أن يعلّم وهو في المسجد ويتحدث مع الناس بالعلم، وأن ينصح وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

والقسم الثاني: أحاديث الدنيا، وهذه على نوعين:

النوع الأول: أحاديث الدنيا المحرمة كالكذب والغِيبة والنميمة، فهذا أشد حرمة في المسجد، الكذب في المسجد أشد حرمة من الكذب في الشارع،
الغيبة في المسجد أشد حرمة من الغيبة في الشارع، النميمة في المسجد أشد حرمة من النميمة في الشارع.

والنوع الثاني: حديث الدنيا المباح، فهذا قد اختلف فيه العلماء، فذهب الأحناف إلى حرمته، قالوا يَحرم أن يتحدث المسلم في المسجد بأحاديث الدنيا المباحة، حرام، لأن المساجد لم تُبْنى لهذا، إنما بُنيت للصلاة ولذكر الله عز وجل، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن أحاديث الدنيا في المسجد مكروهة، يُكره للمسلم أن يتحدث بحديث الدنيا في المسجد، وذهب الشافعية إلى أنه مباح.

والراجح والله أعلم أن أحاديث الدنيا:

إن كانت قليلة يسيرة فهي جائزة بلا كراهة، دخل المسلم فوجد أخاه فسلم عليه وسأله عن حاله وعن حال والديه وعن حال أسرته، هذا ما فيه بأس، هذا لا بأس به، هذا قليل، وإن كان بقصد حسن، كإذهاب هَمّ المسلم، أو إدخال السرور على قلبه، رأى أخاه مهموما مغموما وضع على وجهه الهم الشديد فأخذ يحدثه وربما ذكر له قصة مضحكة مرت به من أجل أن يُذهب همه، فهذا جائز بل يلتحق بالقسم الأول في الحقيقة لأنه بالقصد الحسن صار مشروعا وإن كان من أحاديث الدنيا، وإدخال السرور على المؤمن من الأعمال الصالحة.

وإن كان أكثر من القليل لكنه لا يؤذي عُمّار المسجد، فهو مباح، ولا بأس به؛ فقد جاء في حديث جابر بن سَمُرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقوم من مُصَلاه الذي يصلي فيه الفجر - أو قال: الغداة - حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويَتَبَسّم صلى الله عليه وسلم "، رواه مسلم في الصحيح، جابر بن سمرة رضي الله عنه يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر يبقى في مُصَلاه إلى أن تشرق الشمس، فإذا طلعت الشمس قام صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يجلسون معه في المسجد،
فكانوا يتحدثون بأمور الجاهلية، الأمور التي كانت والقصص التي كانت، فيضحكون، يضحك الصحابة مما كان، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسمعهم ويتبسم، ووجه الدلالة أن الحديث في أمر الجاهلية من أمور الدنيا المباحة، وكانوا يتحدثون ويضحكون وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُنكر عليهم بل كان يتبسم صلى الله عليه وسلم إذا سمع حديثهم، وهذا وإن لم يكن قليلا إلا أنه لا يؤذي عمار المسجد، لأنه في وقت النهي عن الصلاة، وكانوا يتحدثون، فإذا كان ذلك كذلك
وكان ليس غالبا ولكنه ليس قليلا ولكن من شأنه أنه لا يؤذي عُمّار المسجد من المصلين والتّالِين والذاكرين فإنه لا بأس به.

أما إذا كان حديث الدنيا يؤذي عُمّار المسجد، من المصلين والتّالِين، مثلا بعض الناس اليوم ما يتحدث مع أحد في المسجد، يتحدث مع أحد خارج المسجد بالهاتف، ويتحدث ونحن هنا في المسجد النبوي، يعني اللغات كثيرة، وبعض الناس يرفع صوته ويؤذي قارئ القرآن، تجد أن قارئ القرآن وقف، والمصلي أشتغل ذِهْنه، فهذا حرام؛ لأن أذية المسلمين في مساجدهم فيما شُرِعَت له المساجد حرام، المساجد شُرِعَت لذكر الله
وللصلاة، فالذي يؤذي المصلين في المسجد، أو يؤذي التّالين للقرآن في المسجد، أو يؤذي الذاكرين الله في المسجد، فإن هذه الأذية محرمة؛
لأنه إذا كانت أذية المؤمنين في طُرقهم محرمة فمن باب أولى أن أذية المسلمين في مساجدهم فيما شرعت له المساجد تكون محرمة.

أما فيما عدا ما ذكرنا وفَصّلنا فحديث الدنيا مكروه في المسجد، وينبغي للإنسان أن يُجَنّب نفسه هذا الأمر.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان