السبت، 24 أكتوبر 2020

صفة الرضا، قال تعالى { رضي الله عنهم ورضوا عنه } - الشيخ سليمان الرحيلي

الرضا

قال تعالى: { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }

من الدرس الثالث عشر لشرح العقيدة الواسطية

28 رجب 1439هـ

 

للتحميل أو الاستماع

 

-    هذه الآية الكريمة فيها إثبات صفة الرضا لربنا، وهي صفةٌ فعلية اختيارية، فالله سبحانه وتعالى يرضى، ولا شك في هذا.

-    الله يرضى عن الأعمال، ويرضى بها، كما قال الله عز وجل: { وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ }، فالله عز وجل يرضى عن الشكر، ويرضى بالشكر، فالله رَضِيَ لكم الشكر يا عباد الله، ويرضى عنكم بالشكر، فمن الأسباب الجالبة لرضا الله: شُكر الله، أن تكون عبدًا شكورًا، إذا أردت أن يرضى الله عنك فكن عبدًا شكورًا، تَقْدُرُ نِعَم الله قَدْرَها، وتحرص على شكرها.

إذًا الله يرضى عن الشكر، فرضي عن هذا العمل، ويرضى بالشكر، فيرضى عن الشاكر.

-    وقال سبحانه: { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }، فرضي الله الإسلام.

-    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ... )، رواه مسلم في الصحيح، وجاء عند الإمام أحمد: ( وأن تُناصِحوا من ولّاه الله أمركم )، فالله عز وجل رضي توحيده، ورضي جمع الكلمة على الحق، على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي مُناصحةَ ولاة الأمر، وهذا أيضا كما قلنا يُرضي الله.

فأعظم ما يُرضي الله التوحيد، أن تعبد الله، أن تجعل عبادتك كلها لله عز وجل، وألا تشرك به شيئًا.

ومما يرضى الله به عن العباد: أن يجتمعوا الجماعة الدينية والجماعة البدنية.

أما الجماعة الدينية فهي التمسّك بما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم في الدِّيانة، وهذه جماعةٌ لا تحدّها حدود، فمن تمسك بما في الكتاب والسنة وسار على طريقة السلف الصالح فهو على هذه الجماعة التي يرضاها الله ويرضى عن أهلها في أي بلد كان،

والجماعة البدنية هي جماعة الأبدان تحت راية ولي الأمر المسلم، والأصل أن تكون جماعة المسلمين البدنية واحدة، لكن إذا تعذر هذا كما هو الحال في زماننا فإن أهل كل بلد جماعة تحت راية ولي أمرهم المسلم،

الله يرضى الجماعة، ويرضى عن الجماعة، فإن أردت أن يرضى الله عنك فالزم الجماعة بنوعيها، الزم الجماعة الدينية، فكن على منهج السلف، على طريقة السلف رضوان الله عليهم، وإياك أن تخرج عن هذا، والزم جماعة بلدك تحت راية ولي أمرك المسلم،

والله يرضى أن نناصح ولاة أمرنا، ويرضى عمن يناصح ولي الأمر وينصح لولي الأمر، فينصح له ويأمر الناس بأداء حقه الشرعي، من غير إفراط ولا تفريط، وينصح ولي الأمر بالطريقة الشرعية، يناصحه سرا بما لا يهيّج قلوب العامة عليه.

-    أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا )، رواه مسلم، فالله يرضى عن العبد الحامد، وهذا نوعٌ من الشكر، فإذا أكل الأكلة حمد الله، علم أولا أنها من الله، فلولا الله ما كانت، ولولا الله ما وصلت، ولولا الله ما لانت فدخلت، ولولا الله ما نفعت، فإذا علم ذلك حمد الله، وشكر الله، فيرضى الله عز وجل عنه.

-    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( رِضا الله في رِضا الوالد )، رواه الترمذي وحسنه الألباني، فالله عز وجل رضي البرّ ويرضى عن البارّ، فمن أراد أن يرضى الله عنه فليُرضِ والديه، وليحرص على إرضاء والديه.

وهذه الأحاديث كما قلنا تتضمن الرضا عن العاملين،

-    فالله عز وجل يرضى، والرضا صفته، وليس رضا الله أمرًا خارجًا منفصلًا، وليس رضا الله إرادة الثواب كما يقول بعض الـمُؤَوّلة، وليس رضا الله هو الثواب نفسه، كما يقول بعض الـمُؤَوّلة، بل رضا الله عز وجل صفته.

-    وربنا سبحانه وتعالى يقول: { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }، وهذا جزء من الآية الكريمة التي قال الله عز وجل فيها: { قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }، فأهل الجنة من أعظم نعيمهم نيل الرضا، أنهم يَرْضَوْن عن ربهم، الذي هداهم في الدنيا صراطَه المستقيم، ولولا الله ما اهتدوا، كم من رجل أو امرأة يسمع القرآن ولكنه من المشركين! ولكن الله اصطفى من شاء من عباده فهداهم إلى صراطه المستقيم، والله لولا الله ما صلينا، والله لولا الله ما صمنا، والله لولا الله ما قعدنا هذا المجلس نتعلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يرضون عن ربهم وهم في جنته حيث هداهم في الدنيا صراطه المستقيم، وأدخلهم بفضله ورحمته الجنة، فإنه لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله، وإنما الجنة تُدْخَل بفضل الله، والعملُ سببٌ لنيل فضل الله، فهم يرضون عن ربهم، ويتنعّمون برضا الله عنهم وهذا أفضل لهم من جميع النعيم[1]، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالَى يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ؟ فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ، فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ، وأَيُّ شيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا )، متفق عليه، فيتنعّمون برضا الله عز وجل عليهم، ورضوان الله عليهم في الجنة أكبر من كل نعيم، كما قال الله عز وجل: { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَر }.

-    وهذا الحديث يا أفاضل فيه رد على الـمُؤَوّلة الذين يقولون: إن رضا الله هو إرادة الثواب، يقولون: الله لا يرضى حقيقة، لكن رضوان الله أو رضا الله معناه إرادة الثواب، فإنا نقول: إن الله أراد ثواب أهل الجنة قبل أن يقول لهم هذا القول، ( أُحل عليكم رضواني )، ورد على الذين يقولون إن رضا الله هو ثواب الله، قلنا: نعيم الجنة هو من ثواب الله، ومع ذلك جعل الله عز وجل رضوانه أفضل من ذلك، فهذا يدل على أن ربنا سبحانه وتعالى يرضى حقيقةً.

-    وهذه الآية التي ذكرها الشيخ كما قلنا: هي جزء من الآية التي ذكرناها، وجاءت أيضًا في آيات أخرى، فجاءت في قول الله عز وجل: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }، سبحان الله، السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم قادة أهل الحق بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يفضل من بعدهم باتباعهم بإحسان، فإذا أردت أن تكون من الفضلاء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه فالزم غَرْزَ الأولين، وإياك وما أحدثه المتأخرون، فأولئك القوم هم الذين رضي الله عنهم جميعًا، أعني صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم بإحسان فإن الله يرضى عنه، وهم قد رضوا عن ربهم الذي هداهم وأكرمهم، وأعدّ لهم الجنات.


فتوى

رؤية الله عز وجل، هذه الزيادة على نعيم الجنة، فهم لهم الجنة بنعيمها وزيادة، والزيادة هي رؤية الله سبحانه وتعالى، وهذا أعظم النعيم على الإطلاق.



[1]  قال الشيخ سليمان الرحيلي في الفتاوى في آخر الدرس: رؤية الله عز وجل، هذه الزيادة على نعيم الجنة، فهم لهم الجنة بنعيمها وزيادة، والزيادة هي رؤية الله سبحانه وتعالى، وهذا أعظم النعيم على الإطلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومالي وللدنيا

إذا جلست في غرفتك وحدك ...

إني براء من الأهواء وما ولدت...

النظر إلى الحرام

غربة أهل الاستقامة - للشيخ محمد بن هادي المدخلي

سبحان الله !! طالب علم ليس له ورد بالليل ..عشنا وشفنا - للشيخ رسلان