بسم الله الرحمن الرحيم
شرح حديث
17 / 03 / 1439هـ
وروى مالك في "الموطأ"، ولفظه: « من توضأ فأحسن
الوضوء، ثم خرج عامدًا إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما كان يَعْمِد إلى الصلاة، وإنه
يُكتب له بإحدى خُطْوَتَيه حــسنة، ويُمحـى عنه بالأخرى سيئـة، فإذا سمع أحدكم
الإقامة فلا يَسْعَ، فإن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا »، قالوا: لم يا أبا هريرة؟
قال: « من أجل كثرة الخُطى ».
هذا
اللفظ عند الإمام مالك رحمه الله عز وجل في الموطأ.
-
( من توضأ فأحسن الوضوء ): فأسبغ
وضوءه وأتم وضوءه وأكمل وضوءه.
-
( ثم خرج عامدًا إلى الصلاة ): ثم
خرج قاصدًا إلى الصلاة، فقَصْدُه من خروجه: الصلاة، لم يقصد شيئًا آخر،
وإنما الذي يُخرجه هو الصلاة.
-
( فإنه في صلاة ما كان يَعْمِدُ إلى
الصلاة ): فإنه في صلاة من حين خروجه ما دام أنه خرج وهو يقصد الصلاة،
وهو في طريقه في صلاة، ويُجرى عليه أجر الصلاة وهو ماشٍ إلى المسجد.
-
( وإنه يُكتب له بإحدى خطوتيه حسنة،
ويُمحى عنه بالأخرى سيئة ):
الظاهر والله أعلم أنه بكل خطوة، بالخطوة الواحدة
يُكتب له حسنة ويُمحى عنه سيئة، كما تقدم معنا في الحديث: ( لم يَخْطُ خُطوةً إلا رُفِعَت له بها درجة، وحُطَّ عنه
بها خَطيئة ).
والمقصود هنا أن
خطوته الأولى تُقدَّم الحسنة، ويكون معها تابعًا لها حَطُّ الخطيئة، وأن خطوته
الثانية يُقدم مَحْوُ السيئة ويكون مع ذلك تابعًا لها كتابةُ درجة أو حسنة.
إذًا الخطوة الواحدة يُكتب
للمسلم وهو عامد إلى المسجد بها حسنة وتُمحى سيئة، لكن ما الذي يُقدم؟
في الخطوة الأولى: تُقدَّم الحسنة
ويتبعها حطّ السيئة، وفي الخطوة الثانية: يُقدم حط السيئة ويتبعها كتابة الحسنة.
-
( فإذا سمع أحدكم الإقامة ): أي:
وهو يمشي إلى المسجد.
-
( فلا يسع ): يعني: لا
يشتد في المشي، أو لا يهرول، أو لا يجري.
فالسعي: هو شدة المشي أو الجري أو
الهرولة، وكل هذا مَنْهِيّ عنه، وهو عند جمهور
العلماء: مكروه.
-
فإذا سمعت الإقامة وأنت
تمشي إلى المسجد فامشِ وعليك السكينة والوقار، كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا ثُوِّبَ بالصلاة فلا تَأتوها وأنتم تَسْعَوْن، وَأْتُوها
وعليكم السّكينة والوَقار )، أو ( ولكن ليمشِ
وعليه السكينة والوقار )، والحديث بألفاظ مختلفة في الصحيحين.
إذا ثُوِّب بالصلاة وأُقيمت الصلاة فلا
تأتوها وأنتم تسعون، لا تشتدوا في مشيكم ولا تهرولوا ولا تجروا، ولكن امشوا مشيًا
معتادًا، وعليكم السكينة والوقار.
السكينة والوقار:
قال بعض أهل العلم: هما بمعنى
واحد، فيكون ذكر الوقار تأكيدًا.
وقال بعض أهل العلم: بل بينهما فرق؛
فالسكينة في الحركات، ألا يعبث وهو يمشي بحركاته ولا يشبّك بين أصابعه، والوقار في
الهيئة والصوت والنظر،
فتكون هيئته عليها الوقار، ولا يرفع صوته وهو يمشي: "يا فلان ويا فلان" وهو
ماش إلى الصلاة، ولا يتلفت تلتفت العابثين يمينا وشمالا، هذا هو الوقار.
إذًا المطلوب من المؤمن وهو يمشي إلى
الصلاة: أن يمشي ولا يسْع، وأن يكون عليه في مشيه السكينة والوقار.
-
( فإن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا ): أعظم
الناس أجرًا في الصلاة: أبعدهم دارًا، هذا إذا استووا في بقية الأمور، من أجل
كثرة الخُطى.
لكن لو فرضنا
أن الأبعد دارًا لا يصلي بخشوع، والأقرب دارًا يصلي بخشوع، فهنا يكون الأبعد دارًا
أعظم أجرًا من جهة الخطوات، والأقرب دارًا أعظم أجرًا من جهة ذات الصلاة، لكن لو
استووا فالأبعد دارًا أعظم أجرًا من غيره من أجل كثرة الخُطى.
ولذلك قالوا: "لم
يا أبا هريرة؟"، لماذا يكون الأبعد دارًا أعظم أجرًا؟، قال: "من
أجل كثرة الخُطا "، لأنه يزيد بكثرة الخُطا.