بسم الله الرحمن الرحيم
شرح حديث
10 / 03 / 1439هـ
[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرجل في الجماعة تُضَعَّفُ على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يُخرِجِه إلا الصلاة، لم يخط خطوةً إلا رُفِعَت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خَطِيئَة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تُصلي عليه، ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ).
وفي رواية: ( اللهم اغفر له، اللهم تُب عليه؛ ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحْدِث فيه ).
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه باختصار.
هذا الحديث المتفق على صحته حديث عظيم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرجل في الجماعة )
- (صلاة الرجل): هذا يُخرج المرأة، فإن صلاة المرأة في بيتها أفضل لها من الجماعة وأعظم أجرا؛
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وبُيُوتُهُنَّ خَيرٌ لهنَّ )، رواه أبو داود وصححه الألباني.
- بل إن صلاة المرأة في بيتها في المدينة أفضل من صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنها لو صلت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لدخلت في حديث: ( صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام )، لكن لو صلت في بيتها فهو أفضل لها وأعظم أجرا؛
فقد قالت امرأة أبي حُمَيْد الساعدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أحب الصلاة معك"،
لاحظوا يا إخوة، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال صلى الله عليه وسلم: ( قد عَلِمْتُ أنك تحبين الصلاة معي )،
ومن هنا أخذ العلماء أن من مَنَع شخصًا - ولو بحكم شرعي - من شيء يحبه، أن يُقَدّم له ما يتلطف به، إذا كان سيمنعه من شيء هو يحبه، يستحب، من السنة أن يقدم له ما يدخل شيئا من السرور إلى قلبه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قد عَلِمْتُ أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتكِ في بيتكِ خيرٌ من صلاتكِ في حجرتكِ )،
ما هو البيت هنا؟ ليس الشقة والفيلا، البيت هنا: المَخْدَع الذي تأوي إليه المرأة، مكان نومها.
صلاتها في مكان نومها خير لها من صلاتها في دارها؛ السَّعَة والبَرَحَة الموجودة في الدار.
( وصلاتك في حجرتك خيرٌ من صلاتك في دارك )، يعني ( صلاتك في حجرتك ): الغرفة، ( خيرٌ من صلاتك في دارك ): الذي هو البيت، السعة الذي في البيت.
( وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك )، الذي بجوار بيتك.
( وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي )، رواه أحمد وابن حبان وحسنه الألباني.
إذن المرأة لا تدخل معنا في هذا الحديث.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرجل في الجماعة تُضَعَّفُ )
- ( تُضَعَّفُ ): معناها: تَفْضُل وتَزيد.
وقد جاءت رواية عند مسلم: ( تَزيدُ )، فهي مفسرة لمعنى ( تُضَعّف ).
- ( على صلاته في بيته ):
فيه أن الصلاة في البيت صحيحة، وليس كما قال الظاهرية: "من صلى في بيته لا تصح صلاته"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل في بيته؛ إذا صلاة الرجل في بيته فيها أجر، ولكن صلاة الجماعة تزيد على ذلك.
- وليس في هذا ما ينفي وجوب الصلاة، فإن صلاة الرجل في بيته يُثاب عليها من جهة كونها صلاة، ويأثم إذا لم يصل مع الجماعة من غير عذر، فالجهة مُنْفَكَّة.
- ( وفي سُوقه ): السوق: مَحَلّ التّجارات، ويُلْحق به كل محل عمل.
وفيه أن السوق محل للصلاة، يجوز أن يُصلى فيه، ليس من الأماكن التي تُكره فيها الصلاة.
نعم هو شر البقاع وأبغض البقاع، ولكن الصلاة فيه جائزة، ولو بُني مسجد في السوق فلا حرج، بل هو خير؛ لأنه يشجع أهل السوق على صلاة الجماعة.
- ( خمسًا وعِشرين دَرجة )، وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة )، والحديث في الصحيحين.
إذن جاءنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو في الصحيحين، وفيه التفضيل بخمس وعشرين درجة.
وجاءنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وهو أيضًا في الصحيحين، وجاء فيه التفضيل بسبع وعشرين درجة.
فاختلف العلماء في الجمع بين الحديثين:
1- فقال بعض العلماء: المقصود في حديث أبي هريرة: أنها أفضل من خمس وعشرين درجة، أفضل، لا تَعْدل، أفضل من خمس وعشرين درجة، أي أنها بسبع وعشرين درجة.
وقد جاء في رواية عند مسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاةٌ مع الإمام أفضلُ مِنْ خَمْسٍ وعشرينَ صَلاةً يُصلّيها وحْدَه )، فهي ليست مثل خمس وعشرين، أفضل من خمس وعشرين.
قالوا: والأفضل هذا جاء في الرواية الأخرى؛ رواية ابن عمر أنها بسبع وعشرين درجة.
2- وقال بعض أهل العلم: إن الأقل لا يَنْفِي الأكثر؛ لأن العدد لا مفهوم له عند جمهور العلماء، { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } [التوبة: 80]، لا مفهوم له أنه يجوز أن يستغفر لهم خمسين مرة.
العدد عند جماهير الأصوليين لا مفهوم له - وسيأتينا إن شاء الله -، فقالوا: ذكر الأقل لا يَنْفِي الأكثر؛ لأن العدد لا مفهوم له، لا أعلى ولا أَدْوَن.
3- وقال بعض أهل العلم: كان الفَضْلُ أولاٌ خمسًا وعشرين، ثم تَفَضّل الله على الأمة فزادها فَضْلا إلى الفضل، فجعلها سبعا وعشرين.
فأُوحِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر أنها تَفْضُل بخمس وعشرين درجة ثم أكرم الله الأمة، فزادها خيرا، فأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أنها تَفْضُل بسبع وعشرين، وفَضْل الله يزيد ولا ينقص، لا يمكن أن ينقص فضل الله، ما يمكن، يزيد ولا ينقص.
4- وقال بعض أهل العلم: هي سبع وعشرون باعتبار صلاة الطَّرَفَيْن؛ يعني يدخلان في العدد، صلاة الرجل مع الجماعة هذه واحدة، وصلاة الرجل في بيته هذه واحدة، زدها على خمس وعشرين تصبح سبعا وعشرين.
فقالوا: الخمس وعشرين بدون صلاة الرجل في الجماعة وصلاة الرجل في بيته، ليست محسوبة، فقط الفضل.
والسبع والعشرين، حُسِبَت صلاة الرجل مع الجماعة واحدة، وصلاة الرجل في بيته واحدة، وأضيفت إلى الخمسة وعشرين فصارت سبعا وعشرين.
5- وقال بعض أهل العلم: هذا يختلف باختلاف أحوال المصلين من جهات:
الجهة الأولى: من جهة الكثرة، قالوا إذا كانت الجماعة كثيرة فإنها تفضل بسبع وعشرين، وإذا كانت الجماعة قليلة فإنها تفضل بخمس وعشرين.
الجهة الثانية: من جهة الخشوع، فإذا صلى الإنسان مع الجماعة في خشوع؛ فإن صلاته تُضَعَّف سبعا وعشرين درجة، وإذا قل خشوعه؛ فإن صلاته تُضَعَّف خمسا وعشرين درجة.
وقال بعضهم: بحسب ثِقَلِ الصلاة - لازلنا في أحوال المصلين -، فإذا كانت صلاة الجماعة ثقيلة عليه، ومع ذلك ذهب إليها،
ثقيلة عليه، ليس من ناحية الدين لكن من ناحية سبب من الأسباب، مثلا عنده عمل أو نحو ذلك، أو يمشي في الظلام إلى الصلاة.
قالوا: تُضَعَّف له سبعا وعشرين، وإذا كانت أخف فإنها تُضَعَّف خمسًا وعشرين.
6- وقال بعض أهل العلم: الصلاة الجهرية تُضَعَّف سبعا وعشرين، والصلاة السرية تُضَعَّف خمسا وعشرين.
7- وذهب بعض أهل العلم إلى الجزم بما وَرَد وعدم الخَوْض في الجمع.
قالوا: نحن نجزم أنها تُضَعَّف خمسا وعشرين ونجزم أنها تُضَعَّف سبعا وعشرين، أما كيف ذلك، ما نعلم.
وأقرب الأقوال عندي والله أعلم: أن هذا من باب زيادة فضل الله على الأمة، فأنعم الله على الأمة أولا بتضْعيفها خمسا وعشرين درجة، ثم أكرم الأمة فجعلها تُضَعَّف بسبع وعشرين درجة.
- (درجة ):
وجاء عند البخاري: ( ضِعْفًا ).
- ومعنى ( درجة ):
قيل: مَرتبة.
وقيل: درجة في الجنة، فالجنة درجات.
وقيل المقصود بالدرجة هنا: الصلاة؛ يعني بخمس وعشرين صلاة.
وهذا أقرب والله أعلم أن المقصود: بخمس وعشرين صلاة؛ وقد تقدم معنا ما جاء عند مسلم: ( صلاة مع الإمام أفضلُ مِنْ خَمْسٍ وعشرينَ صَلاةً يُصلّيها وحْدَه ).
- طيب، هل هذا في كل صلاة؟ أن الصلاة مع الجماعة تُضَعَّف على صلاة الرجل في بيته بخمس وعشرين درجة أو بسبع وعشرين درجة؟
والجواب: أنه خَرَجَ من ذلك ما يأتي:
الأول: غير المكتوبة، فإن هذا التَّضْعيف إنما هو في المكتوبة، أما غيرها، ففي البيت أفضل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصَّلاةِ صلاة المرء في بَيْتِهِ إِلا المكتوبة )، رواه البخاري في الصحيح.
وجاء عن عبد الله بن سَعْد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيَّما أفضل: الصَّلاةُ في المسجد أو في بيتي؟ - والمقصود: السؤال عن الفضيلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فَلَأن أصلي في بيتي أحبُّ إليَّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاةً مكتوبة )، رواه الإمام أحمد وابن ماجه وابن خزيمة، وصححه الألباني.
إذن إنما هذا التضعيف في شأن الصلاة المفروضة وما شُرعت له الجماعة كالتراويح، فإنها كما تقدم معنا في "دليل الطالب" مُستثناة من كَوْن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.
والثاني مما يخرج من هذا: صلاة المعذور في بيته، فإن صلاة الجماعة لا تفضل عليها، بل له أجر الجماعة وهو في بيته.
المعذور: إنسان من عادته أنه يصلي في المسجد النبوي، هذه عادته، كل صلاة يأتي إلى المسجد النبوي ويصلي فيه، مرض، أصبح ما يستطيع، يصلي في بيته، إذا صلى الظهر من حيث الثواب كأنه صلى في المسجد النبوي، إذا صلى العصر من حيث الثواب كأنه صلى في المسجد النبوي.
آخر يصلي صلواته المفروضة في مسجد الحي ثم مرض، إذا صلى في بيته ولو لوحده يُجْرَى له أجر الجماعة في مسجد الحي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مَرِضَ العَبْدُ أو سافَر، كُتِبَ له مثل ما كان يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا )، رواه البخاري في الصحيح.
إذن خَرَجَ من هذا الحديث من جهة التَضّعيف أمران بالنسبة للرجل - المرأة أخرجناها من الأول -: الأمر الأول: غير المكتوبة؛ فإن غير المكتوبة إذا لم تُشْرَع لها الجماعة فالأفضل أن تُؤَدّى في البيت، أفضل من الصلاة في المسجد، والأمر الثاني: من صلى في بيته وهو معذور، فإن صلاته في بيته تساوي صلاة الجماعة، ويُجرى عليه أجر الجماعة ما دام أنه ترك الجماعة للعذر.
- ( وذلك ):
(وذلك) هنا تفسيرية تَعليليّة، لبيان لماذا تفضل صلاة الجماعة على صلاة المرء في بيته وفي سوقه.
- ( أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يُخرجه إلا الصلاة ):
اِلحَظ الأوصاف: ( توضأ فأحسن الوضوء )، فالأمر الأول: الوضوء بذاته، والأمر الثاني: أحسن الوضوء، وهذا يشترك فيه مع من يصلي في بيته، الذي يصلي في بيته لن يصلي بدون وضوء، سيتوضأ وسيُحسن الوضوء، لكن انتبه لما سيأتي.
- ( لا يُخرجه إلا الصلاة )، فعندنا أمران يزيد بهما على من صلى في بيته، ما هما؟
الأمر الأول: أنه يخرج من بيته، والذي يصلي في بيته لا يخرج من بيته، كذلك بالنسبة للسوق، الذي يصلي في محل عمله لا يخرج من محل عمله.
والأمر الثاني: النية الصالحة، ما يُخْرِجُه حديث الناس ولا أن يراه الناس، ولا أن يمدحه الناس، وإنما يخرج يريد الصلاة، فنيته صالحة، يريد الصلاة لوجهه الله سبحانه وتعالى.
- ( لم يَخْطُ خُطْوَةً ):
خُطْوَة تأتي بضم الخاء وبفتح الخاء.
والخُطْوَة: ما بين القدمين عند المشي، يسمى خُطْوَة، وتسمى خُطْوَة، بضم الخاء وبفتح الخاء.
وقال بعض العلماء: ما بين القدمين خُطْوَة، والمرة الواحدة خَطْوَة، يعني إذا قلنا: خَطْوَة، يعني مرة واحدة، وإذا قلنا: خُطْوَة، فهي ما بين القدمين أثناء المشي.
- ( إلا رُفعت له بها دَرَجَةٌ ): كل خُطْوَةٍ تُرفع له بها دَرَجَةٌ.
- ( دَرَجَةٌ ):
قال بعض أهل العلم: أي: مرتبة عند الله، فترفع له مرتبة عند الله، فيزيد منزلة عند الله سبحانه وتعالى.
وقال بعض أهل العلم: بل درجة في الجنة، بكل خُطْوَةٍ درجة في الجنة، ورفعة في الجنة.
- ( وحُطَّ عَنْه بها خَطِيئَة ):
اِلْحَظوا: ( لم يَخُطَّ خُطْوَةً ) واحدة، ( إلا رُفِعَتْ له بها دَرَجَة، وحُطَّ عنه بها ) بنفس الخطوة، ليس بالخُطْوَةِ الثانية، ( وحُطَّ عنه بها خَطِيئَةٌ ).
والخَطِيئَة فَعِيلَة بمعنى مَفْعُولة، من الخَطَأ، وهي الذنب المُتَعمد؛ لأن الخَطَأ ما يؤاخذ به الإنسان، لكن الذنب المتعمد تحط عنه بهذه الخُطْوَةِ خَطِيئَةٌ.
إذن هو بالخُطْوَةِ الواحدة ماذا يَكْتَسِب؟ رِفْعَة وسُقوط سَيئة، بخُطْوَةٍ واحدة، وهذا ظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[ ( فإذا صلى لم تزل الملائكة تُصلي عليه، ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه ، ... ) ]
- ( فإذا صلى ): وبقي في المسجد، بمجرد أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ماذا يكون؟ يكون في شأن عظيم جدًا، الملائكة تصلي عليه، تبدأ الملائكة بالدعاء له.
- معنى ( تُصَلِّي عليه ): أي: تدعو له.
- ولم يُحَدَّد عَدَدٌ من الملائكة، ( لم تزل الملائكة ): والملائكة لا يعلم عددها إلا الله.
- ( تُصَلِّي عليه ): لا تصلي على المصلين: "اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم"، لا، عليه هو، كل واحد بعينه، أنت بعينك، وجارك بعينه، وجاره بعينه، تدعو له بعينه.
- ( اللهم صَلِّ عليه ): والصلاة هنا بمعنى: اَثْنِ عليه، فإنه جاء بأمر عظيم.
- ( اللهم صل عليه، اللهم ارحمه ): طالما هو في المسجد.
- ولذلك أعجب من حالي وحال بعض إخواني، بمجرد أن نسلم نريد أن نخرج من المسجد، حتى يعني بعضنا ما يَذكر، وبعضنا يَقْتَصِر في الذكر اقتصارًا.
نعم، المعذور، إنسان مريض يحتاج أن يقوم يذهب إلى البيت لأمر ما، هذا شأنه والله عز وجل يعلم بأحوال الناس.
لكن من يقدر منا.
يا أخي طالما أنت جالس بعد الصلاة، الملائكة تدعو لك.
والله يا أخوة لو أن رجلاً يظهر عليه الصلاح بجوارك، وأخذ يدعو لك: "الله يغفر لك، الله يرحمك، الله يكرمك، الله يرزقك"، أنك ما تقوم وهو يدعو، فكيف بالملائكة؟ على أقل شيء نتمهل في الذكر حتى نفرغ منه، ما لم يكن الإنسان معذورًا، لننال هذا الفضل العظيم، دعاء الملائكة، وبماذا؟ بأمر عظيم: "اللهم صل عليه، اللهم ارحمه"، وسيأتي أكثر في رواية مسلم.
- ( ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة )
الله أكبر، إذا سَلَّمت وبقيت تنتظر الصلاة الثانية فأنت فائز بأمرين عظيمين:
بقاء الملائكة تدعو لك، صليت العصر وبقيت في المسجد تريد أن تصلي المغرب، الملائكة تدعو لك: "اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه" "اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه".
ويجري عليك أجر الصلاة ما دمت تنتظر الصلاة، وسيأتي تفصيل أكثر في هذه القضية في حديث عُقْبَة رضي الله عنه.
- وفي رواية: أي: عند مسلم، هذه الرواية عند مسلم.
[ زيدوا هذه ] ( اللهم ارحمه )، زيدوا هذه فإن المنذري قَصر عنها، وقلت لكم مرارًا الحافظ المُنْذِري يُمْلِي من حفظه.
في رواية عند مسلم: ( اللهم ارحَمْه، اللهم اغْفَر له، اللهم تُبْ عليه ).
وتأتي الرواية السابقة: ( اللهم صل عليه، .. ).
( اللهم صل عليه، اللهم ارحَمْه، اللهم اغْفَر له، اللهم تُبْ عليه )، ماذا بقي يُكَدّر على المسلم إذا زال عنه هذا؟ إذا رزقك الله المغفرة، وغفر لك فزالت الذنوب، ورحمك برحمته الواسعة، وأدخلك في الرحمة الخاصة للمؤمنين، وصلى عليك سبحانه في الملأ الأعلى فأثنى عليك، وتاب عليك فرزقك التوبة وقَبِلَها منك، ماذا بقي يُكَدِّر؟ والله لا شيء، الهموم تزول والقلب يطمئن وتحصل السكينة، لكن الأمر يحتاج إلى صبر، فإن الله يبتلي عباده، وكلما عَظُمَ الأمر وشَرُف، عَظُمَ فيه الابتلاء.
- ( ما لم يُؤْذِ فيه، ما لم يُحدث فيه ):
ما الذي يقطع دعاء الملائكة؟
الذي يقطع دعاء الملائكة ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الخروج من المسجد، إذا خرج بعد صلاته انقطع دعاء الملائكة له.
والأمر الثاني: أن يؤذي في المسجد؛ يؤذي المؤمنين.
ولذلك انتبه لجوالك، من أعظم ما يؤذي المؤمنين اليوم في المسجد هذه الجوالات، ولا سيما أن بعض إخواننا يجعل فيها أغاني، وهذا حرام، في السوق، في الشارع، في البيت، والله حرام، ما يجوز أن يجعل نغمة الجوال أغاني، حرام، فبعض الناس يفعل هذا الحرام ثم يدخل إلى المسجد، ويؤذي المؤمنين بهذه الأغاني في بيت الله.
وكذا صوت الجرس أن يُترك، يؤذي الناس إذا كان عاليًا.
والإنسان إذا آذى بعد أن فرغ من صلاته باختياره، أقول: "باختياره"؛ لأنه يمكن نسي الهاتف فَرَنّ الهاتف فآذى بعض الناس، فأغلقه مباشرةً، هذا ما يدخل هنا؛ لأن الكلام عن فعله، فإذا آذى، من عقوباته أن ينقطع دعاء الملائكة له.
والثالث: أن يُحْدِث؛ ومعنى أن يُحْدِث: أن يَنْقُض وضوءه، فإذا انتقض الوضوء ارتفع الدعاء، دعاء الملائكة.
ومن باب أولى إذا أَحْدَث الحَدَثَ الأكبر، وليس الجنابة بل الحَدَث في الدين، فابتدع.
ولذلك إخواننا الذين إذا سلم الإمام بدأوا بالذكر الجماعي مع كَوْن هذا بدعة، فإنه يحرمهم دعاء الملائكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما لم يُحْدِث فيه )، وهذا يشمل كل حدث، نعم الأصل هو الحدث الذي ينقض الوضوء، لكن من باب أولى أن يدخل الحدث المتعلق بالدِّيانة، وهو البدعة، ولذلك من رحمتنا بإخواننا أن نُبَيّن لهم أن الأمر بدعة، ولو أَبَوْا، ولو شتمونا، نجاهد في سبيل الله ونصبر ونترفق بالناس، ونبين لهم أن هذا بدعة، فإن فوق كونه عملاً مردودًا وكونه عملاً جالبًا للإثم، فإنه يقطع دعاء الملائكة، فبمجرد أن يُحْدِث العبد ويأتي ببدعة؛ ينقطع دعاء الملائكة له، فينبغي على المسلم أن يتنبه لنفسه في هذا الأمر.